دكتور ياسر أبّشر يكتب : حميدتي: كارثة ” فَرْط صوتية “

السودان

الخرطوم : الرآية نيوز

دكتور ياسر أبّشر يكتب :

حميدتي: كارثة ” فَرْط صوتية “

وجدت أنّ الحكمة والذكاء في الخلوص إلى نتائج عميقة ربما أغنى عن دراسات تأخذ زمناً وجهداً يقوم بها . ومن ذلك أن الحكيم عبد الله ود برير العوضي – عليه الرحمة والرضوان – سأل عن تخصص يدرسه طالب جامعي، فقيل له أنه يدرس اقتصاد، فقال متعجباً:
“هو الاقتصاد بقروه، ما يعاين للإبريق ده، يشوف الموية بكبوها بوين وبمرقوها بوين”!!! نعم. هكذا لّخص عبد الله ود برير الاقتصاد، فقال في عبارة موجزة:

Input should exceed output
Or , income should exceed expenditure

يجب أن تفوق النفقات الدخل، فذلك يحقق الفائض الذي يستثمر فتتم التنمية. هذا هو كل الاقتصاد لدي ود برير.
وهكذا فإن الاستفادة من حكمة ود برير تُفضي إلى أن أضرار حميدتي على السودان تفوق منافعه، وهذا لا يحتاج لدراسات وجامعات .

في كل بلاد العالم تتخذ الجيوش ظهيراً شعبياً، وتجنده حين الحاجة ليقاتل معها. وقد برزت هذه الظاهرة في السودان أول مرةٍ في عهد المشير سوار الذهب حين أسس اللواء برمة ناصر (رئيس حزب الأمة الآن) قوات المراحيل، ثم توسع فيها الصادق المهدي، وجرى البشير مجراهم بتأسيس الدفاع الشعبي لحرب الجنوب، واستخدم حرس الحدود بقيادة موسى هلال ثم جُعل على قيادته البرهان، ولما عُيّن البرهان ملحقاً عسكرياً بالصين أخذ حرس الحدود في الضعف وتبعثرت قوته. وبعد ذلك تبنى جهاز الأمن فكرة تكوين قوة خفيفة سريعة الحشد Rapid Deployment Forse فكون قوات الدعم السريع من عناصر من المهرية وقبائل أفريقية من دارفور وعناصر من سنار والجزيرة وقبيلة المحاميد وعُيّن حميدتي قائداً لها برتبة عقيد ثم عميد وجُعِل معظم ضباطها من جهاز الأمن.

في تلك الفترة رصد جهاز الأمن تدريب جبريل إبراهيم قوات ضخمة في راجا في جنوب السودان، وتابع تحركها بالقمر الصناعي، وأعد كل الترتيبات اللوجستية والخطة، وحدد جهاز الأمن موقع المعركة/ الكمين مُسبقاً في منطقة قوز دنقو لمهاجمتها، وظل الجهاز متابعاً لحركة قوات العدل والمساواة ويرسل الإشارات ويتابع. وبالفعل شهدت تلك المنطقة قضاءً مُبرماً على قوة خليل إبراهيم، وكانت معركة قوز دنقو (أبريل 2015) الماحقة لحركته، وأعلت من ذكر الدعم السريع.
شهد ذلك العام إرسال السودان لقوات الدعم السريع لليمن، وعبر ذلك تحسنت أوضاع حميدتي المادية فقد ثبت مؤخراً أنه كان يكتنز جزءاً من مخصصات قواته لنفسه، وتراكمت أمواله عبر “الأعطيات” السرية السعودية الإماراتية، فاستثمر في منجم ذهب بجبل عامر. وأفادني أحد الوزراء في تلك الفترة أن حميدتي كان طَيّعاً ، وحين يتحدث عن البشير يقول “عَمّنا”. وتقول شهادته ذلك الحين : “مهذب، مطيع لقيادته يحتاج لدروس في اللغة العربية لعجزه في قراءتها وكتابتها، يحتاج لدروس تقوية في الدين والأخلاق”. وفي لقاء جماهيري بدارفور تحدث شقيقه عبدالرحيم وقال إنه يرى ترشيح الرئيس حتى العام 2120 ( قرن كامل ) . هكذا كان حجمه ومقداره، ولم يقلب ظهر المِجَنْ للنظام إلّا بعد أن نصحه إدريس دِبّي في أول أبريل 2019 بالابتعاد عن البشير الساقط نظامه ، لتنجو من المساءلة عمّا فعلته قواتك!!!

بعد (الثورة) المصنوعة، حدث فراغ. ولأن القيادة الجديدة للجيش لم تكن مهيّأة لتَسَنّم المسؤولية الضخمة “فانخلعت” ولخوفها وضعفها استنجد البرهان بحميدتي لدعمه ، وهذا ما صرّح به حميدتي نفسه . ولأن الطبيعة تأبى الفراغ فقد سارع حميدتي لملئه. وبدورها كانت القيادات المدنية للثورة المصنوعة محتاجة للدعم ولما يطمئنها فسارعت إلى تحييد حميدتي بل تقريبه و (حميدتي الضكران الخوَّف الكيزان)، نفاقاً منهم لاحتياجهم مؤقتاً له، ولم يفوّت حميدتي السانحة الذهبية فطفق يتحدث كثورجي حريص على (التغيير)!!! والليالي من الزمان حُبَالى مثقلاتٍ يلدن كل عجيب ِ!!! هكذا صُنِعت المصيبة.

شاهدتُ فيديو يتحدث فيه الملازم دعم سريع مرتضى أحمد أبّو مرحِّباً “بالأهل” كانوا مئات جاؤوا من أفريقيا الوسطى، وقال إنهم من “أصالة السودان….. أتيتوا لسودانكم أتيتوا لوطنكم” نعم هكذا. وهذا مثال واحد من بين وقائع عديدة كلها تؤكد أن عشرات الألوف جاء بهم الدعم السريع من دول غرب أفريقيا. يغيرون عبرها التركيبة السكانية كما يشاؤون ويجندون شبابهم ليتقوى بهم، ويوظفونهم ويجنِّسونهم ليشاركوا أهل البلد مواردهم وليستمتعوا بخدمات الصحة والتعليم وما إليها. والمزعج أن المُستقدمين من خارج الحدود معبئين لحربٍ ” لسة ما قامت ” على حد تعبير أحدهم. وهكذا يمثل فعل حميدتي هذا تهديد ثقافي واجتماعي وأمني.

مثَّل حميدتي بعد الثورة أحد أهم مصادر المال السياسي ومن ثم الفساد. فقد رشى حميدتي ناشطين وسياسيين وصحفيين وإعلاميين وشيوخ إدارة أهلية وشيوخ طرق صوفية (أحد أقربائي في ولاية البحر الأحمر منحه حميدتي بوكس جديد) وتختلف الروايات حول أعداد البكاسي التي وزعها حميدتي بين 600 إلى 1800 بوكسي !!! . وقيل إن بعض ضباط القوات النظامية اشترى لبعضهم منازل وشقق في السودان وفي القاهرة، ومنح الكثيرين مئات ألوف الدولارات أو مليارات الجنيهات. ولم يستبقِ حميدتي أحداً ممّن سُمِّي جماعة أربعة طويلة في مجلس السيادة السابق من لم (يمتّعه بنواله). ليتمكن حميدتي من شراء ولاء كل ضعيف نفس، لا يهمه ما يجره ذلك على حاضر ومستقبل الأوضاع السياسية والقيم والأخلاق في السودان. لشراء سكوتك أو لتنافق حميدتي فهو جاهز لتسليمك أسرع (دعم سريع دولاري)!!!أين الدولة لتسأله: من أين لك هذا؟؟

وعبر حميدتي تمكنت الإمارات من الوصول لما يسمى زوراً (النخبة السياسية)، التي هي في حقيقتها (الخيبة السياسية) التي أودت بالبلاد. وعبره تمكنت من إزاحة كل من لا تبغاه.

هذا يذكرني بما قيل إنه إجابة لجنرال أميركي سُئل عن سبب هزيمتهم في الصومال، فقال إن الصومال لم يكن بها مثقفون!!! وكأنه كان يعني من يُسمَّون (النخبة) بالسودان.

وحتى النيابة- ومن ثم العدالة – لم تسلم من ضُرّه، إذ تمكن من استمالة وكلاء نيابة ضعاف نفوس، يمدونه بدفاتر قبض موقعة وممضية يعتقل بها من يشاء ليرميه في غيابة معتقلاته.

الرجل ينافس الجيش في التسلّح ويسعى لامتلاك درونز ودبابات!!!

في 3 مارس 2022 كتبت القارديان البريطانية أن روسيا هَرّبت ثلاثين طناً من ذهب السودان. “مِنّك لله يا حميدتي”!! ورغم أن الخارجية السودانية نَفَتْ ذلك لكن قناعتي أن الناس أقرب لتصديق القارديان. وهل الخارجية إلّا مأمورة!!،

أثبت حميدتي أن الزعامة السياسية لم تعد تحتاج تأهيلاً، وتلك هي مقالة عبد الله ود برير.

وبعد: فإن كانت روسيا تمتلك صواريخ فَرْط صوتية، فالسودان يفوقها بامتلاك كارثة فرط صوتية!!!

أعتقد أن قيادة البلاد ستفهم إن ذكرتها بحِكَمِ الأوّلين القائلة إن (الحكم عقيم).

دكتور ياسر أبّشر
——————————
22 مارس 2022

دكتور ياسر أبّشر يكتب: اللهم عبد الله ود جاد الله

اترك رد