عمر الحبر يوسف نور الدائم ينعي شقيقه بسردٍ مؤثر عن حياته : عزَّام … الأطفالُ لا يتجمَّلون!!

السودان

الخرطوم : الرآية نيوز

كتب الأستاذ عمر الحبر يوسف نور الدائم، في نعي شقيقه :

عزَّام … الأطفالُ لا يتجمَّلون!

جاءَ إلى الدنيا بعدي …
وغادرَها قبلي …
بكيتُه وحدي .. إذْ بكاهُ الناسُ جميعاً ..
وفقدتُه وحدي .. إذْ فقده الناسُ جميعاً ..

حتى العام ١٩٩٠ كنتُ أصغرَ أفراد أسرتي …
ثم جاء عزام فملأَ البيتَ وشغلَ الناس!!
كنتُ سعيداً بهذا الوافد الجديد … لكنها كانت سعادة مشوبة بغَيْرة .. كانت غَيْرة الأطفال حاضرة عندي كذلك .. غَيْرة الطفلِ الذي يَخافُ على مُلْكِه وسُلْطانِه وما مُلكُه وسُلطانُه إلَّا احتفال أبيه ودلال أمِّه وتحلّق إخوانِه!!
استباحَ عزامُ كلَّ ذلك من حولي ..
ثم اجْتاحَ عزام قلبي..
عزام الذي أصبح حبيبَ أبويه وقُرةَ عين إخوانِه وبهجةَ بيتِنا ونعيمَه..
كبر عزام وكبر معه حُبِّي له ..
واجتمعت فيه خصال لا تجتمع في أحد إلا عَظُم في أعينِ الكرامِ من الناس وقلوبهم ..
أشهدُ لعزام أنَّه كان بَارّاً بوالديه وَصُولاً لرحمه شَهْماً كريماً ماجِداً …
وأشهد لعزام أنَّه كان مُحِباً لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم ولآلِ بيتِه وصحابتِه والصالحين ..
وأشهد لعزام أنه كان أبيًّا عزيزاً لا يقبلُ خُطةَ خَسْف ولا ينزلُ منزلَ هَوان ولا يركبُ مَركبَ ذُلّ ..
وأشهد لعزام أنه كان شُجاعاً سَمْحاً جواداً ..
وأشهد لعزام أنه كان وفيًّا لأصحابه حُرًّا يَرْعَى وِدادَ اللحظة وأنَّه كان المرءَ الذي لا خليلَه أضاعَ ولا خانَ الصديقَ ولا غَدَر ..
كل ذلك أشهد له به ويعرفه عنه كل مَنْ عَرَفه ..
لكن الذي يَفْنَى فيه وحده عزام ولا يُجارى فيه ولا يُبارى فهو محبة الأطفال له واتفاقهم عليه..
قديماً يا عزام كان أهل الإعلام – وأنت من زمرة الإعلاميين- مولعين بعبارة (الكاميرا لا تكذب ولا تَتجمَّل) ثُمَّ أصبحوا فيها من الزاهدين!!
لم يُزهدهم في العبارة ابتذالها وإنَّما زَهَّدَهم فيها أنَّ (الكاميرا) في زماننا هذا أصبحت تفعل الأمرين جميعاً!! تكذب وتتجمَّل كحال كثيرين من أُهيلِ زمانِها …
لكنَّ الأطفال يا عزام هم الصادقون الذين لا يتجمَّلون!!
حُبُّهم غيرُ مُتكلَّف .. ووِدادُهم غير مُتصنَّع!!
لكنهم لا يعطون هذا الحبَّ الصادق بلا مقابل!! ، ولا يمنحونه إلا لمن يمنحهم عطفَه وبرَّه وبَذلَه منحاً كذلك غير مُتكلَّف ولا مُتصنَّع!!
وقد منحتَهم يا عزام كلَّ ذلك منك!!
فكنتَ عندهم يا عزام في المكان الذي لا يُرام..
كنتَ عندهم المُقدَّمَ أبداً … كنا جميعاً نأتي عندهم بعدكَ بالتَّبع والإضافةِ إليك … : ( نحنا ماشين ناس عزام!!) .. كنا فقط عندهم (ناسَك) يا عزام!!
وقد صدقوا في هذه أيضاً … فنحن (ناسَك) يا عزام!!
وما يُدريكَ ما حالُ (ناسك) بعدك يا عزام؟!!
اللهم رحمتَك بنا …
اللهم ارحمْ ضعفَنا ..
اللهم رحمتَك بشيخٍ هَدَّه الحزن .. وبوالدةٍ كَسرَها الفقد.. وبإخوةٍ تَيتَّمُوا وما كان اليُتْمُ قبلكَ يا عزام يكون بفقدِ أصغر الإخوان!!
اللهم رحمتك ب(آلاء) وآلٍ وأصحاب!!

كنتَ كثيراً عندنا يا عزام لكنكَ على ربِكَ لستَ بكثير …
لو كان الموت يُتقى وقيناكَ بأنفسنا و فديناكَ بكل عزيز ..

عزاؤنا يا عزام أنك ذهبتَ إلى ربٍ رحيم أرحم بك منا جميعاً ..
عزاؤنا يا عزام في الجموع التي صلَّت عليك … وفي الألسنة التي تلهجُ بالثناء عليك .. وفي الأوفياء لك الذين هم الآن بين مُؤدٍ لعمرةٍ عنك وخاتمٍ للقرآن لك ومُكْثرٍ من الصلاة عليك..

إنا لله وإنا إليه راجعون ..
وإنا لفراقك يا عزام لمحزونون ..
رحمة الله عليك ورضوانه ..
ولا نقول إلا ما يرضي الله.

اترك رد