محمد دبوان المياحي يكتب : وقفه عندك !

السودان

رصد : الرآية نيوز

محمد دبوان المياحي يكتب :
وقفه عندك !

“برغم كلّ ما يحدث، ما زلت مؤمناً أن الأشياء التي تهدّد السلام النفسي للإنسان وتدفعه للإكتئاب أكثر خطورة من التي تهدّد وجوده الفيزيائي، فهذه الأخيرة يمكن معالجتها أو دفعها أو الوقاية منها. أما الأشياء التي تدمّرنا نفسيّاً فنحن لا نملك وسيلة لمقاومتها أو جهازاً مناعياً مخصّصاً لدرء خطرها.”

حتى أكثرنا حصانة على المستوى الداخلي، فيه شيء من الأذئ، ويمكن لأي شخص ذو حساسية نفسية عالية أن يلمس هذا في أعماقه، وكيف أصبحت انفعالاته تجاه الحياة مختلة، الأثر ينمو ببطء وليس بوسعك تتبعه لحظة بلحظة. هناك تحولات خفيّة تحدث بداخلك باستمرار، تبهت دوافع بعينها وتبزغ أخرى، تتآكل الشخصية بالتدريج، ولا أحد ينتبه إلا وقد أصبح شخصًا مختلفًا عما كان عليه. بل إنك تتبدل كليًا، ولا تكاد تشعر بذلك. تمامًا كما يؤثر عليك الزمن دون أن تدك كنهه.

الخراب النفسي الذي صنعته الحرب أكثر فظاعة من كل الدمار المادي الواضح، الحرب خطيئة البشر الكبرى، صوت الشيطان وهو ينفخ في نفوس الساسة فيذهبون معه للنهاية ويلوثون حياة العامة بضغائنهم وأحقادهم.

على المستوى المادي، يمكننا ترميم الخسارات بقليل من التدابير العملية والخطط الإقتصادية ومشاريع الإعمار؛ لكن ماذا عن الإنسان اليمني المهدوم، من يرمم نفسه المشروخة وأعماقه الملوثة بمختلف السموم.. هنا تكمن الكارثة الحقيقية، قد تكون الخسارات المادية مؤلمة، وأنت ترى جهود البشر تتحطم بلمحة بصر؛ لكن الخسارات المعنوية أشد إيلامًا وأكثر تجذرًا في النفس.

هذه الصراعات التي نلاحظها أمامنا ما هي إلا نتاج مباشر للنفوس المتوترة والمشحونة بمختلف صنوف العداء، الحروب هي التجلي الأخير لما يعتمل في النفس. لكننا لا ندرك المشكلة إلا حين تظهر للسطح، حينها نصرخ ونتألم. فيما كان يمكننا مدافعة الحروب وكبحها، ليس بمجرد الدعوة بوقف إطلاق النار، بل بالصراخ ضد أسبابها الجذرية والدعوة لوقف خطابات الكراهية.

السلام الحقيقي يبدأ من هنا، يمكن لمبادرات الصلح أن توقف الحرب؛ لكن الحكمة تقول وقف الحرب لا يعني انهاءها، لا جدوى من وقف النار فيما الحروب تندلع هناك في النفوس المضطغنة والتراكمات المكدسة في أعماق البشر. وعليه فالطريقة لسلام مستدام تبدأ من إعادة تعمير نفوس الناس وتصفيتها وحراستها من كل صوت يشوهها وكلمة تؤذيها وصورة تسرب العنف إليها.

حسنًا، لعل من طباع البشر أنهم يضعون اعتبارًا كبيرًا لما هو محسوس ومرئي وقابل للتعيين والمشاهدة، لهذا يميلون للتجاوب والانفعال بكل أثر يرونه بأعينهم، لكنهم أقل حساسية للآثار الغير مرئية، أقل استشعارًا لجراحات الروح. وعند هذه النقطة يكمن بداية حل عقدتنا، هذه هي الشفرة التي نود تفكيكها والتركيز عليها. ويمكن تلخيصها بعبارة واحدة: كيف نحرس الروح اليمنية من الخراب، ما الذي يتوجب فعله لنبني أسوارًا تمنع الساسة وعناصر الصراع من تلويث نفوسنا ونفوس الشعب بشكل عام.

قد لا نستطيع اجبار قادة الصراع على وقف حروبهم؛ لكن بمقدورنا لجم قدرتهم على تحشيد الناس في مشاريع الكراهية وتوريث الضغائن، بمقدور كل فرد أن يصرخ أمام كل خطاب عنيف ومؤذي، قائلًا: هذا الخطاب يسممني، ويتوجب مقاومته.

إنه التحدي الكبير أمام كل إنسان في الكوكب وأمام الإنسان اليمني بشكل خاص، مسؤولية أخلاقية واجتماعية تستوجب التصدي لكل من ينفخ نار الضغينة ويسرب لوثته للجماهير الغافلة. أقول إنه تحدي كبير؛ لكونه يتطلب مقاومة شبح خفي، عدوّ غير واضح الملامح؛ لكنه ينخر في أعماق الناس كالسوسة.

وقفه عندك ، حملة شبابية تتبناها منصة اتريك24، هدفها أن تلفت انتباهك لحساسية الخطابات الباعثة للكراهية، أن تتلقاها بذهن حذر، ألا تتعرض لها وأنت متصالح معها، ألا تكون جسرًا يضاعف عبورها وتمددها، ولا يوجد نهج أكثر فاعلية من أن تميتها عندك..وتوقف تفاعلك معها.

من البديهي القول: إن هؤلاء الذين يشحنون الناس بخطابات مسمومة، هم لا يفعلون ذلك لأن لهم سلطة عليك، لا أحد بمقدوره اجبارك أن تقتنع بخطابه أو فرضه على وعيك، لكنه يستثمر غفلتك؛ ليمرر هدفه وأنت تستقبله ببراءة لا تخلو من الخطر. أنت جندهم العامل معهم بالمجان، لقد تمكنوا من تجنيدك ضد نفسك ومجتمعك، وعليك أن تفك رباطك بهم وتبدأ طريقة مختلفة في التعامل معهم، فقط يكفي أن تعمل بوصية واحدة #وقفه_عندك

وقفه عندك. طبعًا ما يزال العم مارك مقيّد للحساب، ولا تصل المنشورات إلا لنسبة20% من الجمهور، لهذا الكرة في معلب الشباب ومن يصلهم هذا المنشور، ومن يجد دافعًا للمساهمة في حملة التصدي لخطابات الكراهية هذه..عن نفسي لا أشارك في أي حملات، باستثناء هذه وجدت نفسي متجاوبًا معها. مع فائق امتناني للجميع

عن حروب الكراهية وحاجتنا للسلام النفسي..

منصة اتريك24/ خاص
نقلا عن الصفحة الشخصية للكاتب على الفيسبوك

اترك رد