مُحَمَّدٌيات : محمد صلّ الله عليه وسلم بعـيون المُنصفين

السودان

الخرطوم : الرآية نيوز

محمد صلّ الله عليه وسلم بعـيون المُنصفين

كان نور محمد صلّ الله عليه وسلم نبى الإنسانية قادراً دائماً على النفاذ إلى وجدان الأفئدة الصادقة ولو تباعدت المسافة واختلفت الثقافة. فلا غرو ان يهيم به الشعراء ويعرف قدره الحكماء والفلاسفة من الغرب والشرق. ولئن تطاول على مقامه سفهاء العقول أولو الغشاوة فى الأبصار والبصائر فان أعظم شعراء الغرب والشرق وأهم حكمائه وفلاسفته وأدبائه ومؤرخيه قد عرفوا فضل محمد صل الله عليه وسلم على الانسانية جمعاء. وهل يجرؤ أحد من الغرب أن يشكك فى شاعرية غوته وبوشكين ولامارتين. وهل يتجاسر أحد أن ينكر مقام فولتير وجان جاك رسو وبرتراند رسل أو ان يمارى فى المقام الادبى السامى لتولستوى ولرجال مثل توماس كارليل وبرناردشو وغوستاف لوبون وجولد زيهر فهؤلاء أمثلة ممن شهدوا بالسمو والسموق لنبى الاسلام الذى شهد ربه فوق هؤلاء جميعا بأنه على خلق عظيم.

أمير شعراء الألمان يوهان غوته:
وجوته هو أشهر شعراء المانيا بلا منازع (1749-1832م) ولعظمته بين أدبائها أتخذت ألمانيا أسمه أسماً لمراكزها الثقافية عبر العالم. وقد كان غوته أديباً موسوعياً تعلم لغات الشعوب ودرس ثقافتها. تعلم اللاتنية والايطالية واليوناية والانجليزية والعبرية اهتم بدراسة الآداب الشرقية وبخاصة العربية والفارسية والهندية والصينية. وكان إنتاجه الأدبي واسعاً ومتعدد الأنواع فكتب الرواية والدراسات والمسرحيات والأشعار. وكان من اشهر أعماله الى جانب مسرحية آلام فرتر ما أسماه الديوان الغربى والشرقى وهو ديوان شعر شديد التأثر بالآداب الشرقية وبخاصة العربية. وقد أطلع أثناء دراسته للأسلام على سيرة النبى صل الله عليه وسلم فأستباه النبى العربى صل الله عليه وسلم بشخصيته السامقة الى ما يقرب صورة العشق.وكان مثار دهشته البالغة الصورة المبهرة لنبى الاسلام صلّ الله عليه وسلم وتناسق القرآن وجمال وتناسق لغة القرآن وجمالها حتى أنه قال فى وصف لغة القرآن (ربما لم يحدث فى أية لغة هذا القدر من الانسجام بين الروح والكلمة والخط مثلما حدث فى اللغة العربية وأنه لتناسق عجيب فى جسد واحد) وينبيك عن مقدار حبه للنبى محمد صلّ الله عليه وسلم قصيدته المسماة (ترتيلة محمد) ونحن ننقل تعريباً لها بقلم الشاعر بهجت عباس:
وبخطـوة قائـد سابقٍ لأوانـهِ
يكتسح إخوتـَه الجداولَ
ويجـرفهـا قـُدمـاً معـه.
ومن تحت، في الـوادي
تـنـبت الأزهـار تحت قـدمه،
وتدبّ ُ في المَـرج الحيـاةُ من نَـفَـسه.
ولكنْ لا يوقـفـه وادٍ ظلـيل،
ولا الأزهارُ،
التي تـُطَـوِّق رُكبـتَه،
مُبـتَسِمـةً بأعـينٍ ملـؤهـا الحبّ ُ:
ينطلق انسيـابـُه نحو السّهل
مُتَعـرِّجاً كأفعـوان.
تـرتبط الجداول به
مرافقـة. والآنَ ينبـعث
في السّـهل كالفضَّـة لمعـاناً،
ويلـمع السَّـهل معـه،
والأنهـارُ مـن السّـهل
والجـداول من الجِّـبال و
تهلِّـلُ وتصيح : يا أخانا!
يا أخانا، خذ إخـوتَك معـك،،
إلى المحـيط الأبدي،
الذي ينـتظـرنا بأذرع ممـدودة،
التي، آه، تمـتـد دون جـدوى،
لتحتضـنَ المتشـوِّقـين إليـه؛
لأنَّ الرملَ الجَّـشِـعَ في الصَّـحراء المقـفرة،
يفـترسُـنا، والشّمسَ في الأعـالي
تمتـصّ ُدماءنـا؛ وتـلاً يطـوَّقـنـا
ويحـوَّلنـا إلى مُـستـنـقَع! يا أخـانا
خُـذِ الإخـوةَ مـن السَّـهل،
خُـذِ الإخـوةَ مـن الجبـال،
تعـالوا كـلّـكمْ
ويمتلئ الآن
جلالاً أكثـرَ؛ عشيرة بأكمـلها،
تحمل الأمـيرَ عَـلِـيّـا،
وفي تـدفّـقِ مسـيرته الظافـرة،
يُـعـطي البلدانَ أسمـاءَها، والمـدن ُ
تُصـبِـحُ تحت موطئ قدمـه.
ومن دون تـوقّـفٍ يزأر مندفعـاً،
تـاركاً قِـممَ الأبـراج المتـوهِّـجة،
البيـوتَ المَـرمـريّـةَ، وإنتاجـَه
الوَفـْرَ، وراءه بعـيداً.
يحمل الأطـلسُ بيوتَ خشبِ الأرز
على أكتافـه الضّـخمـة؛
وآلافِ البيـارق الخـفـّاقـة المُـرَفـرفـة
عَـبْـرَ النّـسائـم فـوقَ رأسِـه
إشـاراتُ عَـظَـمَـتِـه.
وكذا يحمل إخـوتَـه،
كـنوزَه، أطـفـالَه،
هـاتفـاً بابتـهاج، إلـى قلب
خـالقـه الذي ينتـظـره.

وفي ديوانه الرائع (الديوان الشرقي والغربي) يخاطب شاعر الألمان غوته ، أستاذه الروحي الشاعر حافظ شيرازي فيقول : “أي حافظ ! إن أغانيك لتبعث السكون… وإنني مهاجر إليك بأجناس البشرية المحطمة ، لتحملنا في طريق الهجرة إلى المهاجر الأعظم محمد بن عبد الله) ويقول: أننا أهل أوربة بجميع مفاهيمنا، لم نصل بعد إلى ما وصل إليه محمد، وسوف لا يتقدم عليه أحد، ولقد بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان، فوجدته في النبي محمد … وهكذا وجب أن يظهر الحق ويعلوكما نجح محمد الذى أخضع العالم بكلمة التوحيد . ذلكم غوته شاعر الالمان الفذ والذى تجاوز مقام الشهادة بالفضل الى مقام تلقى الالهام والحكمة من نبى الانسانية محمد صلّ الله عليه وسلم.
.

أمير شعراء روسيا الشاعر بوشكين:

مثلما غوته هو أمير شعراء ألمانيا فان قليل من النقاد يمكنه أن يمارى أن الكسندر بوشكين ليس سيد شعراء روسيا على الاطلاق.بل هو الشاعر الذى أطلقت عليه ألقاب كثيرة مثل شاعر روسيا الأكبر ومؤسس الأدب الروسى المعاصر وشمس الشعر الروسى. أسبغ عليه هذا الألقاب أدباء كبار لاتزال أسماؤه ساطعة مثل جوجول ومكسيم جوركى الذى قال عنه أنه البداية لكل البدايات ) وقال عنه دستوفسكى أنه كان أديباً كونياً . وبوشكين أيضاً دراس للغات الغربية ويكتب بعض أشعاره باللغة الفرنسية ومثله مثل غوته درس الآداب الشرقية وتعلق بها وبخاصة الادب العربى والدراسات الاسلامية وقد كرر وأكد أكثر من مرة أن القرآن كان ملهماً له وله مجموعة أشعار من تسعة قصائد بعنوان قبسات قرآنية. يقول بوشكين : (لقد كان العرب والمسلمون بالنسبة لي أمة تبني مجدها على تراث عريق وتتمسك بعادات وأخلاق سامية تعارفت عليها منذ القدم، لقد استلهمتُ عدة قصائد مثل (ليلى العربية) و (محاكاة العربي) من الشعر العربي القديم. وقد تعددت مواهب بوشكين وإنتاجه الادبى فقد كان شاعرا غزير الانتاج وناثرا ومؤلفاً مسرحياً وكاتباً روائيا والشعب الروسى على مختلف مشاربه شديد الاحتفاء ببوشكين وله تمثال فى كل مدينة روسية وقد أطلق أسمه) وتم تحويل بعض أعماله إلى أوبرات موسيقية و مقطوعات أوركسترالى كما أطلق أسمه على أكبر مسارح روسيا فى مدينة سان بيترسبرجوتكرس قنوات التلفزيون الروسية الكثير من البرامج التي تعكس عبقرية الشاعر باعتباره يمثل صوت روسيا.هذا شاعر روسيا العظيم الذى يقول عن القرآن (كثير من القيم الاخلاقية معبر عنها فى القرآن بقوة وشاعرية) وقد استلهم بوشكبن قصائد كثيرة من القرآن والسيرةوأشهر أعماله فى هذا السياق قصيدته المشهورة بأسم النبى والتى ألهمت العديد من تلادباء والشعراء من بعده وقصبدة النبى هى تلكم القصيدة الرائعة لأمير شعراء روسيا والتي أثارت اهتماما شديدا عند معاصري الشاعر ومن بعده فى الاوساط الأدبية العالمية، كما استمر تأثيرها لأجيال بعده، فقد صارت السيرة النبوية الشريفة بالنسبة للصفوة المثقفة من الروس وروَّاد الحركة الوطنية نموذجا للقدوة الحسنة الصابرة على الرسالة، والمجاهدة في سبيلها ولم تكن قصيدة النبى وحدها هى التى استلهم بوشكين من سيرة النبى صل الله عليه وسلم بل كتب أيضا عن مجاهذان النبى صل الله عليه وسلم فى المغارة السرية يصف فيها جانبا من هجرة الرسول صل الله عليه وسلم فيقول:
وفي المغارة السرية
في يوم الهجرة
قرأت آيات القرآن الشاعرية
فجأة هدأت روعي الملائكة
وحملت لي التعاويذ والأدعية
ولقد كان أعجاب (بوشكين ) بسير النبي أعجابا كبيرا جعله يستلهم مراحل مختلفة من السيرة النبوية في أكثر من قصيدة وبخاصة قصائده قبسات قرآنية والتى ينظم فيها لمواطنيه الرسول قبسات مما جاء به مجمد صلّ الله عليه وسلم:
علام يتغطرس الإنسان؟
على أنه جاء إلى الدنيا عارياً
على أنه يستنشق دهرا قصيرا
وأنه سيموت ضعيفا، مثلما ولد ضعيفاً؟
ألم يعلم أن الله سيميته
ويبعثه بمشيئته؟
وإن السماء ترعى أيامه
في السعادة و في القدر الأليم ؟
ألا يعلم أن الله و هبه الثمار
والخبز، والتمر، والزيتون
ثم بارك جهوده
فوهبه البستان، والتل، والحقل؟
لكن الملاك سيعود مرتين
وسيدوي على الأرض رعدا سماويا:
وسيفرُّ الأخُ من أخيه
ويبتعد الابن عن أمه
ويمثل الجميع أمام الله
صرعى من الرعب
ويسقط الكفار
يغطيهم اللهب والغبار
ويخاطب بوشكين النبى صلّ الله عليه وسلم فيقول (شُقّ الصدر، ونُزع منه القلب الخافق… غسلته الملائكة، ثم أُثبت مكانه! قم أيها النبي وطف العالم… وأشعل النور في قلوب الناس) وهكذا فعل النور المحمدى بالقلوب الشاعرة الحكيمة وتكفى أغاريدها فى مدحه رداً على أولئك الذى رسموا مذمماً مشابه لبواطنهم الذميمة ثم زعموه نبى الاسلام صلّ الله عليه وسلم ألا شاهت الوجوه وتبت الأيادى..

مقتطفات من كتاب مُحيّا محمد صلّ الله عليه وسلم بعـيون المُحبين

د.أمين حسن عمر

مُحَمَّدٌيات

ــــــــــــــــــــــــــ
❀ محمديات ❀
[1 ابريل 2022م]

.

اترك رد