دكتور ياسر أبّشر يكتب : إن التّشَبّه بالرجالِ فلاحُ

السودان

الخرطوم : الرآية نيوز

🔴دكتور ياسر أبّشر يكتب :

♦️إن التّشَبّه بالرجالِ فلاحُ

كانت دولٌ عدة تعارض البرنامج النووي الباكستاني. ويحمد للقادة الباكستانيين سواء كانوا مدنيين أو عسكريين إجماعهم على تنفيذ البرنامج النووي إلى أن تُوِّج بتفجير قنبلتهم النووية التي يُطلق عليها الغرب القنبلة الإسلامية، وهو ضرب من التنميط Streotype، يوحي برفض مبطن، بدليل أنهم لم يسموا قنبلة الهند التي سبقت الباكستان بالقنبلة الهندوسية!! شاهدُنا أن القادة السياسيين الباكستانيين بمختلف مشاربهم واختلافاتهم كانت لديهم ثوابت وطنية لا يحيدون عنها (يا حليلنا نحنا)، ومن بينها القنبلة النووية.

وتعرضت الباكستان لضغوط عدة للتخلي عن ذلك البرنامج النووي. ومن بين من تعرّض للضغط كان الرئيس ضياء الحق. ولما استيأسوا منه قتلوه بتفجير مروحية كان يستقلها، وكان يرافقه فيها السفير الأميركي وأحد كبار الجنرالات الأمريكان.

عرفت بعض مخابرات أن ضياء الحق يحب المانجو، فأهدوه عبر عميل صندوق مانجو ووضعوا القنبلة التي انفجرت بعد إقلاع المروحية داخل صندوق المانجو (17 أغسطس 1988).

وفي نيودلهي عرف السفير الأميركي جون غونتر دين بتفاصيل عملية اغتيال ضياء الحق، ومن بينها اشتراك جهاز المخابرات الهندي ووكالة المخابرات الأمريكية والموساد الإسرائيلي في مؤامرة الاغتيال، فطلب المجيء لواشنطن للتشاور. ولما وصل إلى العاصمة الأمريكية علم أن CIA تجتهد لإعاقة التحقيق في العملية التي كان من بين ضحاياها سفير وجنرال أميركي. أمّا هو فلم يجتمعوا به ليسمعوا ما يود أن يدلي به بل أبلغوه بانتهاء مهمته في الهند!!

أثبت الرجل تلك الوقائع في مذكراته التي كانت بعنوان: (المنطقة الخطرة: كفاح دبلوماسي من أجل مصلحة أميركا) Danger Zone: A Diplomat’s Fight for America’s Interest

كان ضياء الحق قائداً وطنياً، والغرب لا يحب الوطنيين لأنهم يقدمون مصالح بلادهم على مصالحه. وقد جندت أميركا قحاتة (الله يكرم السامعين) باكستانيين ليعارضوه، وكانوا ينظمون مظاهرات ضده في كل عاصمة غربية يزورها كما كان يُبث في القنوات وقتها.

وهكذا القحاتة في كل بلد، “فالتوم ريحتو واحدة” كما يقول أهلنا. وانبعثت رائحة التوم القحاتي السوداني هذه الأيام بعد أن لَوّح البرهان بطرد ڤولكر، إذ انبروا يحذرون من عواقب طرد ڤولكر وروّجوا لتداعيات تنجم عن طرده اختلقوها، ودافعوا عن ڤولكر أكثر ممّا فعل فولكر نفسه. ومن بين ما قالوه، يخوّفون به البرهان، أن طرد ڤولكر ستعقبه عقوبات من مجلس الأمن، غير مدركين التَغيّر الذي طرأ على مجلس الأمن بعد حرب روسيا في أوكرانيا، واستعداد كل من الصين وروسيا لِلَجْم التَنَمّر الغربي في المجلس.

وحقيقة فقد سُرّ كثيرون بتلويح البرهان بطرد ڤولكر. فقد أثبت ڤولكر انحيازه للتيار اليساري ودعمه لمواقف ما يعرف بأحزاب أربعة طويلة، كما تجلى ذلك في تقريره لمجلس الأمن (29 مارس 2022) والذي ردد فيه بطريقة ببغائية Parroting نفس ما يقوله هؤلاء عن “القمع العنيف” ضد “الانقلاب” وألمح إلى أن القوات النظامية تقتل المتظاهرين بالذخيرة الحية، وزعم أن 16 امرأة متظاهرة اغتصِبت في الخرطوم وتكاثر العنف الجنسي ضد المرأة السودانية، وتدخل حتى في معايير اختيار الوزراء ورئيس الوزراء، وتحدث عن “نوع”!!! الانتخابات التي ستنظم. وقال إن مشاوراته شملت 800 شخص في السودان، لكنه لم يقل إن غالبية من التقاهم هم القحاتة وشركاؤهم!!!

قال ڤولكر عن البرهان ما لم يقله مالك في الخمر. وصُدِم الناس حين التقاه البرهان بعد يومين من تهديده. فكان بذلك أن زاد إلى الجرح إساءة Added insult to enjury كما يقول الخواجات. وذلك لأن ڤولكر ليس رصيفه Counterpart وفي ذلك خرق لقواعد البروتوكولات الرئاسية، ثم أن ڤولكر طبَّق على البرهان المثل الذي يقول “الإضينة دُقّو واتعضّر له”، وكان عذره استفزازياً استغفالياً حين زعم أن التقرير كتبه مكتبه!!! كأنه لم يطّلع عليه، وقال إنه سيراجع التقرير!!! يراجعه بعد أن أصبح وثيقة من وثائق مجلس الأمن!!! And the damage is already done

والحقيقة أن ڤولكر لا يملك أن يكون حيادياً، فقد احتضنه حمدوك والقحاتة منذ أن وطئت قدماه ثرى الخرطوم (10 مارس 2021)، ورد الاحتضان بخير منه، فوظّفهم وأغدق عليهم الدولارات، وكان آخرهم فيصل محمد صالح وسبقه أمجد فريد المدان قضائياً بجريمة ضرب زوجته، ورغم ذلك يكتب عن “العنف ضد المرأة”!!! لتتشوه سمعة السودان بين الحضنين!!

ينبغي أن نُدرك أن ڤولكر جِيء به ليبقى، ولذا سيكتب عن تدهور الأوضاع وسوئها كل مرة وإلّا انتفت أسباب بقائه. وهو بهذا ليس بِدَعَاً بين بعثات الأمم عبر العالم، فقد بقيت كلها ولازالت عبر عشرات السنين. وربما كان خروج يوناميد من دارفور الاستثناء الذي يثبت القاعدة. وحتى يوناميد كانت تتجنب الخروج بممارسة جرائم كان من بينها ما شاع وقتها أنها كانت تُسلّم سياراتها وأسلحتها لحركات دارفور لتُثبت أن العنف متفاقم. هذا علماً أنها كانت تطلب حماية الشرطة السودانية لمقارِّها في دارفور كما صرح بها وكيل الخارجية وقتها. ولو أننا علمنا رَغد العيش الذي كانت تنعم به لعذرها كل من مات ضميره. فقد كانت تُزوّد (بالسالمون) يُستورد من دول اسكندنافيا في حاويات مبردة. وباللحم من البرازيل وبالزبادي المحلّى بضروب الفاكهة. وكانت ميزانيتها تربو على المليار دولار سنوياً.

ولما جاء حمدوك ألغى استراتيجية خروجها Exit Strategy، بعد أن خرجت نصف قوات يوناميد، ثم استبدلها بيونيتامس لينعم ڤولكر ومن معه من القحاتة بما نَعِمَ به أسلافه.
ألتمس من القارئ الكريم أن يذكر لي مثالاً صارخاً واحداً يثبت أن بعثات الأمم المتحدة حلّت مشكلة في بلد. ألم تكُن قوات حفظ السلام موجودة في سربرنيتسا حين دخلها الصرب وقتلوا الآلاف واغتصبوا الآلاف من نسائها بل أطفالها؟؟ والتي وصفتها كريستيان أمانبور بأنها Medieval War حرب قروسطية!!!

الغرب وأذنابه القحاتة (الله يكرم السامعين) يخوفون القادة، ويتحدثون نظرياً عن حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات ولا يكفون عن التآمر. بعض القادة يصمدون مهما كانت النُذُر كما فعل ضياء الحق. وبعضهم يرتعد كما فعل القذافي حين أرعبوه في برنامجه النووي، حتى أصبح أُضحوكة بين الغربيين أنفسهم. وأذكر هنا أن إحدى الصحف الغربية تندّرت من ارتعاد القذافي حين سألوه عن برنامجه النووي فقالت: Gaddafi was asked Thirteen questions, he answered thirty one!!!

وفي السودان لم نجنِ منهم نحنُ إلّا تخرُّصات وأنباء ملفّقةً. نحن حتى الآن لا نستطيع تحويل مائة دولار لأهلنا في السودان. لكنهم يحولون مئات ملايين الدولارات لمنظمات القحاتة (الله يكرم السامعين) التي تُرًوّج للمنحرفين والمنحرفات!!

بالأمس أثبت الرجل عمران خان أنه امتداد لوطنية ضياء الحق، وأثبت أن الشعوب هي خير جُنّة إزاء مكر الغرب وأمريكا. صارح الرجل شعبه بمكرهم فاندحر أذنابهم في البرلمان، خوفاً من عقاب الشعب ولم تغنِ عنهم أميركا شيئا. عمران خان خير قدوة لقادةٍ مستهدفين.

فإن لم تكونوا مثلهم فتشبهوا بهم، إن التشبه بالرجال فلاحُ.

♦️دكتور ياسر أبشر
———————————-
4 أبريل 2022

اترك رد