عبد الماجد عبد الحميد يكتب : مات هاشم سعيد ..ولا نامت أعين الجبناء

السودان

الخرطوم : الرآية نيوز

عبد الماجد عبد الحميد يكتب :

مات هاشم سعيد ..ولا نامت أعين الجبناء ..

• اليوم مات اللواء هاشم سعيد ..أغمض عينيه إلي الأبد ..أسلم الروح إلي باريها ..توسّد الثري بمقابر البكري حيث. ودعته ثلة من أهله وأحبابه إلي قبره الطاهر ..ودّع الدنيا الفانية وهو علي يقين أنه كان يقاتل أعداءه حتي آخر لحظة ..لم يستسلم ..ولم يقعده المرض ولم تُوهن عزيمته عاديات الزمان وتقلبات الدنيا الحرُون ..
• تعود معرفتي اللصيقة بالراحل الحبيب اللواء هاشم سعيد إلي العام 1995..أكرمنا الله بأن نكون ضيوفاً عليه في منطقة فرجوك بالإستوائية ..لن ننسي تلك الأيام ما حيينا ..كنا في منتصف العمر يومها ..وٌبحساب الأيام والسنوات لن تُمحي تلك الفترة من تاريخ حياتنا ..وبعداد الأحاسيس والمشاعر فقد حفرت تلك الفترة عميقاً في دواخلنا وشكلت رؤيتنا للتعاطي مع الدنيا إجمالاً ومع الناس أفراداً وجماعات ..
• لن ننسي ما حيينا هاشم سعيد ..كان يومها قائداً لسرية الكلية الحربية في خط سير متحرك وعد المتقين علي طريق فرجوك ..وينجبول ..وكان مقر قيادته في المتحرك نقطة التقاء جمعتنا بكوكبة من الشهداء الأقمار ..
• من الذين التقيناهم في حضرة الراحل العزيز هاشم سعيد الشهيد الرمز يوسف سيد ..حتي لحظة كتابة هذه السطور لم تفارقني ذكري أيامنا رفقة الشهيد يوسف سيد ..إبتسامته الودودة ..مودته العميقة ..كرمه الفياض ..وحرصه الشديد أن نبقي معاً نردد معه جميل النشيد ..ويطرب دواخلنا قبل آذاننا بقصائده وأشعاره الجياد ..
• في حضرة الراحل العزيز هاشم سعيد التقينا الشهيد محمد أبوالحسن أمير (السائحون) في تلك الأيام ..وفي حضرة الراحل العزيز هاشم سعيد التقينا إخوةً لن يجود الزمان بمثلهم . منهم من قضي نحبه .. ومنهم من ينتظر ..ومابدلوا تبديلا..
• اليوم ستحلق روح هاشم سعيد قريباً من روح أحبابه الشهداء خالد جويلي ..الشهيد أبوالحسن ..الشهيد محمد عثمان بطران ..والشهيد الكباشي ابن منطقة الكباشي والذي كان الراحل هاشم سعيد يوده ويخصه برعاية وعناية الأخ الأكبر فقد كان الشهيد الكباشي أصغرنا سناً وأكثرنا همةً في الطريق الذي سلكه ..فلم يكن غريباً أن يلحق سريعاً بركب الشهداء وهو عين ما كان يردده هاشم سعيد وعينه تدمع :(كباشي دة ما حيقعد في الدنيا كتير)..
• كان هاشم سعيد النموذج الأول للقائد الذي قابلته في حياتي ..تجّسدت عنده قيمة ومعاني القيادة في أبهي وأجلّ صورها ..قوة في غير ضعف ..ولين في غير تفريط ..وشجاعة في غير تهور ..
• برغم صعوبة وهول تلك الأيام والظروف المعقدة التي كانت تحيط بها ، برغم هذا كان هاشم سعيد يوزع الطمأنينة والفرح والتفاؤل بطريقته الخاصة !!
• لن أنسي ما حييت طريقته الفريدة في استقبال كتيبة الشهيد فضل المرجي الطريفي التي كان قوامها إخوة كرام من طلاب جامعة الخرطوم ..قادهم في طابور سير من مقر قيادته لسرية الكلية الحربية إلي وسط مقدمة الصندوق القتالي لمتحرك وعد المتقين حيث قبر الشهيد الرمز الدكتور محمود شريف ..
• وقف الراحل هاشم سعيد علي شاهد قبر الشهيد محمود شريف وقصّ عليهم بتأثرٍ بالغ كيف قاتل محمود شريف العدو حتي النهاية ..بشجاعة وبسالة نادرة لايجدها الناس إلا في كتب وروايات أساطير الفداء والشجاعة ..
• قال لهم هاشم سعيد موصياً: ( قاتلوا بشجاعة محمود شريف)..
• مرّت الأيام ..تتالت الأحداث عاصفة ..تفرّقت بنا السبل ..ومع كل هذا ظلّ(جنابو هاشم سعيد) حاضراً في وجدان ومخيلة ودواخل كل من أكرمهم الله بمعايشته ومجالسته والعمل تحت قيادته ..
• ولأنه كان رجلاً نسيج وحده فقد صبر علي إبتلاء المرض صبر العارفين بأقدار الله ..واجه محنة الفشل الكلوي بذات التسليم والابتسامة الوضيئة ..
• سألته قبل أيام عن أحواله الصحية ..أجابني وهو يبتسم (متعثرة والحمد لله مع التتريس وصعوبة حركة الوصول إلي المستشفي)..
• من يصدق أن القائد هاشم سعيد أحد أكفأ الضباط في القوات المسلحة السودانية كان يعاني في الوصول إلي المستشفي لغسيل الكلي ..وكثيراً ماعاد إلي منزله بأطراف العاصمة لأن شباب الثورة المصنوعة قد أغلقوا كل الطرق المؤدية إلي قلب العاصمة الخرطوم ..
• ولأنه هاشم سعيد القائد المؤمن بقيمة رسالته في الحياة ، لم يتوقف عن القتال حيث أسس موقعاً لصحيفة إلكترونية كان يديرها ويشرف عليها برغم ظروف المرض وكثيراً ما كان يكرمني بنشر بعض مقالاتنا في صحيفته التي كان ينفق عليها من مال غسيل كليتيه المعطوبتين !!
• كنا علي موعد أن نلتقي خلال شهر رمضان الكريم ..قلت له سنزورك رفقة الأخ العزيز دكتور محمود حامد علي وآخرين ..(حبابكم ..تشرفوا والله حيكون يوم طيب رفقة الطيبين)..
• كانت تلك آخر كلماته ..غادر هاشم سعيد الدنيا بعد أن أدي رسالته علي أكمل وجه ..قاتل حتي آخر رصاصة ..لم تفتر له عزيمة ولم تنكسر له قناة ..
• مات هاشم سعيد ضابط الجيش العظيم والذي حقق معني القيادة والريادة لجيل كامل من شباب الإسلاميين الذين وجدوا عند الراحل هاشم سعيد معني الأخوة الصادقة وصرامة القائد المهني ورقة المؤمن الذي يألف ..ويُؤلف ..
• مات هاشم سعيد علي فراشه بعد أن خاض المعارك الشرسة في بحار المخاطر وعين المنايا ..بحث عن الشهادة في مظانها ..ولعلّ الله سبحانه وتعالي قد أراد له محنة المرض لتغسله من أوشاب الدنيا ليصعد طاهراً من كل ذنب ..
• مات هاشم سعيد ..ولانامت أعين الجبناء ..
• ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم .

اترك رد