محمد طلب يكتب : يا بتااااع العيش

السودان

الخرطوم : الراية نيوز

محمد طلب يكتب :

يا بتااااع العيش

هذه الحكاية رغم خصوصيتها الا انها تحمل كثير من المعاني والقيم التي يمكن إسقاطها على حياتنا اليومية واستخلاص ما يمكن استخلاصه… كل حسب رؤيته والزاوية التي يقف عندها… عموما حياة الاهل في السودان ملئية بالتعقيدات الاجتماعية التي قد توقف عجلة الحياة.

استيقظت باكرا وركبت (البوكس) متجهاً نحو المخبز الذي عمرته وبدأت العمل به في ظل الظروف القاسية والمجاهدات العنيفة التي واجهتها خلال الثلاث سنوات السابقة وظروف المرض الذي يستوجب أن يكون لدى مصدر دخل قريب من موقعي ولا يكلفني حركة كثيرة

بعد اغتراب دام لأكثر من عقدين من الزمان في وظائف مرموقة بالبنوك والمصارف الإسلامية في دولة الإمارات العربية …

كنت قد وعدت العمال ليلة البارحة بأننا سوف نحمل كمية من الخبز ونبيعها في السوق فهناك وفرة تستوجب وصولنا للمستهلك أو أقرب مكان له مع تجويد المنتج في (سوق المنافسة الكاملة) ومن شروطه كثرة الباعة والمشترون كما درسنا ….

اخترت موقعا مناسبا في السوق أوقفت السيارة… ابني واحد العمال على ظهر السيارة ينادون ويبيعون والحمد لله…. (بسط) والأمور طيبة

وانا على مقود السيارة أنزلت الكرسي في وضع مريح وظللت على الموبايل اطالع الصحف الالكترونية والأخبار… وأصدقاء الواتس… كنت تعبان جداً أولاً لانني متعافٍ من جلطة دماغية حديثاً و كادت أن تشل حركتي تماما لو لا لطف المولى عز وجل .. وايضا استيقاظي المبكر وسهري على العمل الليلة السابقة… وانا في تلك الحالة أحسست بشخص يقترب مني وضحكة قوية وخبطة على كتفي (ياااا بتاع العيش) ثم ازدادت وتيرة الضحكة… أخذت وهلة ثم أدركت من هو المتحدث انه زميل في المدرسة الابتدائية افترقت بنا السبل ولكنا نلتقي بين الفينة والأخرى وفي الإجازات وكل منا ملم بأخبار الآخر بشكل عام… يعلم أنني كنت أعمل في البنوك ووصلت درجة مرموقة في الادارة ثم عدت للسودان واظنه لم يكن متوقعا أن أصل مرحلة (بتاع عيش)…. لذلك كانت ضحكته و ربما سخريته قوية استطاعت أن تصل للمراد منها….أو لا… لا أدري ولا يهمني ذلك

عموما انا (بتاع عيش)و (بانكر سابق) و مغترب متقاعد واكتب للصحافة و أشارك في العمل العام وازرع أرضى واحصد وأخرج في المظاهرات واعاني كثيرا واحب وطني واهلي وابنائي واتمنى ان يعيشوا على الحلال (ويفنوا العمر علماً وعملاً و كداً واكتساباً… ولا أدري ما هو العيب في
(بيع العيش) لا ادري!!! أليست هو (العيش) وعليه يقتات الناس فهذه ليست المرة الأولى التي يستبعدون فيها أن أكون (بتاع عيش)

صديقي المحامي ودفعتي في الجامعة قال لي وهو يختم بعض العقود طبعاً ما ح تكون في (الفرن) وتبيع وكدا… فقلت له انت مخطئ سوف أكون هناك وابيع وربما (اعجن وأخبز ) فضحك وأجاب مستنكرا ذلك واقسم أنني لن افعل…. ماذا دهاكم!!؟ وكيف تنظرون للأشياء!!؟… وكيف تحكمون عليها !!؟؟ لا ادري
فأنا أمارس عملي الجديد في مخبزنا الجديد.. فادعو لي بالتوفيق

التوقيع : بتاع العيش

سلام

محمد طلب

اترك رد