إبراهيم عثمان يكتب : حقل القحاتة وبيدر الواقع

السودان

الخرطوم : الراية نيوز

إبراهيم عثمان يكتب :

حقل القحاتة وبيدر الواقع

لن نتجاوز الحقيقة، ولن نفتري عليها، إن قلنا إن ما تريده أحزاب اليسار من الحوار “ذي المصداقية” هو ذات الذي تريده من الانتخابات : السلطة كاملةً … وخاطرها، الآن، عند العساكر وشركائهم لا يحقق المراد، وأصواتها في الصناديق لا تنوِّلها إياه . وهي – ومعها الغرب – ستعتبر أي حوار أو انتخابات بلا مصداقية، إذا لم يردما الهوة بين وزنها وطموحاتها، فالمصداقية تساوي هذه الهوة، مقداراً وكيفاً، إذا رُدِمَت، خصماً على الحق والحقيقة والديمقراطية، فبها ونعمت، فقد اكتملت شروط المصداقية، وإن لم تُردَم، فاللاءات جاهزة والمتاريس والعرقلات، ومعها الحصار والعقوبات جزاءً وفاقاً على المصداقية الموءودة .

مشكلة قحت الحقيقية الآن أن العساكر، بقرارات التصحيح، قد تراجعوا بعد أن كانوا قد تبرعوا بقوتهم لردم هذه الهوة وحراستها، فكان الاتفاق الذي لبى حاجة أحزاب اليسار لفترة انتقالية مختلفة مصممة للتعامل مع أحلامها وكوابيسها . لكن أمل قحت ظل قائماً لأن التراجع لم يكن كاملاً، إذ جمَّد العساكر خريطة طريق التصحيح استجابةً للضغوط، وانتظاراً لقحت وبداية تفاوض جديد معها .

الطرفان يعتبران العودة إلى ذلك الاتفاق ردةً غير مقبولة .. العساكر لأن العودة ستكون بمثابة اعتراف بخطأ قرارات التصحيح، وستحملهم المسؤولية عن إلغاء الشراكة وما تبعه من تداعيات، وستجبرهم على اعتذارات قولية وفعلية تجعل عودتهم إلى ذلك الاتفاق هي عودة الخائب المهزوم طالب المغفرة، الذي سيجد صعوبة كبيرة في إعادة التوازن القديم ..

وأحزاب اليسار لا تقبل العودة إلى الشراكة القديمة، بسبب خبرتها السابقة مع العساكر التي أثبتت قابليتهم للضغوط ونزوعهم للاستجابة لها، وبسبب شارعها الذي تنافست مع الحزب الشيوعي على شحنه بأكثر المواقف تطرفاً، ووعدته بأن معركتها مع العساكر لإخراجهم من المشهد بالكلية، وإقامة نظام (ثوري) خالص لقحت يتوسع في الدوس والإقصاء، فيضيف القوى النظامية إلى قائمة الدوس الشديد، وحلفاء التصحيح إلى قائمة الإقصاء ..

هذا الخيار الصفري من جانب قحت، في مقابل الموقف العسكري الذي لن يقبل به،، هذا الوضع، سيجعل مهمة الوسطاء في غاية الصعوبة، فممكن الأمس لم يعد مقبولاً اليوم للطرفين، والحل/ المعجزة يجب أن يحقق لقحت أكبر قدر من حلها الصفري بما يجنبها مزايدات الحزب الشيوعي وحلفائه، وما يبقي شعرة معاوية مع راستات لجان الأحياء، ويجب أن يحافظ للعساكر على بعض قرارات التصحيح بما يحفظ ماء وجههم أمام الأجهزة النظامية، والقوى التي أيدت التصحيح، وأمام الشعب ، فهل ينجح الوسطاء في اجتراح المعجزة بلا تنازلات جوهرية من الطرفين أو أحدهما ؟

في ظل عدم امتلاك أحزاب اليسار لرفاهية انتظار الانتخابات والاكتفاء بالسعي لتحقيق الشروط التي تضمن نزاهتها، فالنزاهة لن تضخِّم الصغار، وبالتالي فالفوبيا منها هي فرع من فوبيا الانتخابات، وفي ظل ما تقوله من أنها لا تضمن أي انتخابات إلا تلك التي تديرها بنفسها، فإن إمكانية الحل/المعجزة ستتوقف على موازنة هذه الأحزاب بين إمكانية إسقاط النظام وتحقيق سلطتها الكاملة التي لا تتناسب مع وزنها الحقيقي، وبين إمكانية عودة سلطتها شبه الكاملة وإضافة مكاسب جديدة، مع ضمان حراسة عسكرية وغربية كاملة لها، والمفاوضات والضغوط الخارجية، في تقديري، ستتركز لترجيح الخيار الأخير .

إبراهيم عثمان

اترك رد