إبراهيم عثمان يكتب : تأملات .. وخطرفات

السودان

الخرطوم : الراية نيوز

إبراهيم عثمان يكتب :

تأملات .. وخطرفات

▪️ كلما أتذكر أن أحد أهم إنجازات الإنقاذ المتمثل في منظومة الصناعة النفطية، التي لا زالت تلبي نصف احتياجات السودان، وتعتمد عليها بالكامل دولة الجنوب، كلما أتذكر أن هذا الإنجاز كان قد تحول بفعل فاعل شديد المكر إلى نقيضه حين أصبحت صفوف البنزين من أهم الأعمال التحضيرية لانقلاب اللجنة الأمنية، أزداد إحساساً بفداحة الظلم الذي وقع على الإنقاذ، وأزداد يقيناً بأنه كما يُقال ( عناية القاضي خيرٌ من شاهدي عدل )، بالمعنى السلبي للخيرية، أي معنى التواطؤ والمحاباة وعدم إقامة العدل، كذلك يمكن أن يُقال ( خيانة الحارس خيرٌ من غزوتين من دولتين عظميين ) بذات المعنى السلبي للخيرية بل بأسوأ منه بكثير ..

▪️ وكلما أتذكر الذي حدث بعد ذلك فيما يخص منظومة النفط من انخفاض الانتاج بنسبة تزيد عن 50%, وزيادة الأسعار بنسبة أكثر 10.000%، وأتذكر شرح حمدوك لفلسفته وراء هذه الزيادة المجنونة، والتي يمكن تلخيصها في إنهاء حالة التدليل الإنقاذي التي كانت تسمح بأشكال من التواصل الاجتماعي يراها سيادته ترفيةً وضارةً، وكلما أتذكر حملات الشكر التي واكبت هذه “الإنجازات” القحتية وهذا الشرح الحمدوكي، أزداد يقيناً بأننا، أو جزء معتبر منا، الأكثر قابلية للظلم والسواقة والمعايير المقلوبة من بين شعوب العالم رغم إدعاءات الوعي والثقافة السياسية العالية ..

▪️ وكلما أتذكر أن القحاطة أصحاب هذه “الإنجازات” النفطية التي أنهت – بتوصيف حمدوك- “التدليل” الإنقاذي للشعب، هم الآن أكثر أملاً في العودة إلى السلطة، للقيام بإنجازات شبيهة في المجالات التي فلتت من كفاءتهم القاتلة، ومن بينها إنهاء “تدليل” آخر بقي بعد زوال الإنقاذ، يتمثل في منظومة الصناعات الدفاعية والشركات التي رفعت جزءاً كبيراً من العبء عن وزارة المالية، وأغنت الأجهزة النظامية عن انتظار صدف رغبة، أو مقدرة، المالية على تلبية احتياجاتها، كلما أتذكر هذا، وأتابع أمل قحت في “شرفاء” الأجهزة النظامية، المعاشيين وبالخدمة، الذين تطمع في عونهم لإيصال كفاءتها القاتلة إلى الأجهزة النظامية ومصادر تمويلها، وأنها ( قد ) لا تعدم بعضهم، أزداد يقيناً بأن حالة التيه العام تجعل مراهنة قحت على “المغفلين النافعين” بكل أنواعهم ليست مراهنةً خاسرةً تماماً ..

▪️ وكلما أتذكر الحماس الكبير لدى بعض الفئات الشعبية لما يمكن تسميته بالعدالة في إنهاء “التدليل” واستكمال حلقاته، وأمل هذه الفئات بأن يكون في وصول كفاءة قحت إلى مصادر تمويل الأجهزة النظامية عوائد لمالية قحت في حكومتها القادمة قد تصل إلبهم ويكون فيها بعض التعويض عما خسروه من تدليل، كلما أتذكر هذا أزداد يقيناً بأن المؤمن بقحت لديه من القدرة على المكابرة والتبالد ما يجعله يستمتع باللدغة العاشرة من ذات الجحر ذات المتعة التي وجدها عند اللدغة الأولى .

▪️ وكلما أتذكر هذا، وأفكر في أن قحت ( ربما ) لا تحلم ولا تبارح محطة الواقعية بآمالها في العودة وإكمال مسيرة إنهاء التدليل بكل أشكاله، أزداد قناعة بأن هناك حالة من انقلاب المعايير قوية، ومحروسة داخلياً وخارجياً، تؤدي إلى استقالة المتضررين، وهم الأغلبية، من المقاومة الجدية بأسباب هي خليط من تيه وعجز وكسل وربما خوف، ينتج عن ذلك تواطؤ أضداد غريب من نوعه وغير مسبوق، رغم الصراع والتناقض الظاهري، وتسمح هذه الحالة بانتاج وتفسير الكثير من المفارقات المضحكة/ المبكية السابقة والحالية والآتية لا محالة ..

▪️ وكلما أتذكر أن الشباب كانوا الأكثر تضرراً من تجربة قحت : في تعليمهم، وتوظيفهم، ومعاشهم، وحاضرهم ومستقبلهم، والصورة النمطية التي أرادت قحت تعميمها عنهم، بتصوير الأقلية من الراستات والسانات كعنوانهم وطليعتهم، والراندوك كلغتهم، بكل التضمينات السلبية لهذه الكلمات، وبتصويرهم وكأنهم الأكثر قابلية للسواقة، بوعي كوعي القطيع، ووطنية كوطنية قمر الدين وعرمان وجعفر سفارات، وثقافة “ديمقراطية” كثقافة أولاد ستالين ولينين وعفلق وناصر، ودين هو خليط من دين القراي والرشيد يعقوب وثروت سوار الذهب، وثقافة هي مزيج من تفاهات ماما أميرة، وتهويمات شاعر كولومبيا، وخطرفات منعم سليمان، كلما أتذكر هذا وأتابع نظرة قحت إلى الشباب كحاضنتها الشعبية الأكثر صلابةً، وقابليةً للتضحية من أجلها، والأكثر استعداداً لتتريس الشوارع وتخريبها عقوبةً للمواطنين الذين لا ينساقون لقحت كانسياقهم ، ثم أتابع كيف أنه قد انطلى على الكثيرين الوهم الذي يسوَّق عن ولاء الشباب، عامة الشباب، والذي يحصرهم ما بين الشيوعي بجذريته العدمية، وقحت بلاءاتها التكتيكية، وأتابع تكاسل الأغلبية من الشباب الوطني الواعي عن التصدي لهذا الاختطاف لاسمهم، وهذا التشويه لسمعتهم، ينتابني الشعور بأن أوهام قحت تتغذى من كسل الأغلبية أكثر من خيالها المريض، وأن بعض أحلامها تتحقق باستقالتهم لا فعاليتها، وبسلبيتهم وانكسارهم لا قوتها ..

إبراهيم عثمان

اترك رد