د.محمد المجذوب يكتب : معالم مشروع النهضة السودانية

السودان

الخرطوم : الراية نيوز

د.محمد المجذوب يكتب :

معالم مشروع النهضة السودانية

يلاحظ أنه ومنذ النصف الثاني من القرن الميلادي المنصرم بدأت في السودان حالة من الظهور والتبلور لمشروعات إصلاحية كثيرة من منطلقات متباينة: صوفية وأصولية وسلفية وحداثوية …الخ، تبنتها نخباً من مختلف الميول الفكرية والتحيزات الفكرية، تحاول في مجموعها الإفصاح عن جوهر المشكلات والأزمات السودانية، وتعمل على مدافعتها بدراستها أولاً والتعرف على جذورها والعلل الكامنة وراءها ثانياً، وتحليل آثارها المترتبة على حياة المجتمع السوداني ثالثاً، وراغبة في إصلاحها رابعاً.

بيد أن هذه المحاولات وبمرور الوقت لم تتطور بعد، إلى ما يكفل لها أن تتكامل للتحول إلى مشروع إصلاح نهضوي عام وشامل يحمل رؤى ومناهج وبرامج إصلاحية تعالج أزمات السودان المركبة، في مجموعها للتجاوز تناقضاته، ولربما كان لتنامي الخطاب الاحتجاجي، وطغيان النزعة الأيديولوجية على أدبيات سائر الجماعات والنخب: الثقافية والسياسية السودانية، وانخراط عدة أجيال من أبنائها في مفاهيمها وشعاراتها ومناوراتها ومكايداتها السياسية اليومية المجانية، ما ترك الأثر البالغ في انحسار الحقل الثقافي والعلمي الرصين، الذي ينبغي أن يواكب تعقيدات الوعي الثقافي والاجتماعي الذي يزداد تعقيداً كل يوم والذي توسعت مساحته لتعم سائر أركان المجتمع السوداني.

كما أننا لا نجد ثمة فكرة إصلاحية نهضوية متكاملة في أيما مجال من مجالات الحياة السودانية، يمكن الإشارة إليها بالبنان، بل تلاحظ السمة المميزة التي تسم العمل الإصلاحي في أوساط النخب السودانية، تأثرها بالنزعات الاحتجاجية العاطفية التي يغلب عليها أسلوب النقد المضاد والمقولات الدعائية والتحيزات الشخصية أو الحزبية…الخ، مما نتج عنه أن قطاعاً واسعاً من ولاء تلك النخب لا يزال لم يتبصر محيطه بعمق، بل ولا يريد دراسة مشكلاته من منظور عميق وأصيل.

إزاء هكذا أزمات فكرية واقتصادية وانقسامات اجتماعية وسياسية وانعدام للثقة بين أبناء الوطن الواحد، تأتي هذه الرسائل، دعوة استئناف وتجديد لما تم إنجازه من كسوب الفعل الإصلاحي والنهضوي في السودان واستشراف لمستقبله، ساعيةً لاستيعاب وتجاوز الخطاب الاحتجاجي والتبريري والعاطفي في الوعي السوداني المعاصر، إلى خطاب إصلاحي تجديدي تأسيسي يكون أكثر عمقاً وشمولاً، تكون له القدرة على مقاربة مشكلات المجتمع السوداني، انطلاقاً من الرؤية الإسلامية للعالم، باعتبارها الرؤية العظمي المشتركة بين أهل السودان طوعاً من غير إكراه.

وهو الخطاب الذي نرجو له أن يخترق ويحفر عميقاً في ثنايا وطبقات المشكلات المتمكنة في مجتمعاتنا، لاسيما المشكلات الثقافية والاجتماعية والأخلاقية والسياسية والاقتصادية والتنظيمية…الخ، فيطلع على طبيعتها الداخلية، ويكتشف العلل المستترة ورائها والقوانين الفعالة في لتوليدها، بما يفتح المجال لتخطيط وتنفيذ مسار النهضة والإصلاح المنشود في السودان.

اترك رد