د.أمين حسن عمر يكتب : مجرد رأي…(فنجطة) الدولار1

اقتصاد

الخرطوم : الرآية نيوز 

مجرد رأي

(فنجطة) الدولار1

لايزال سعر الدولار هو المشكلة ولن تجدى سياسة رفع الدعم تدريجيا أو دفعة واحدة ولو جرى تعديل الاجور ما لم يتحقق تثبيت سعر الدولار بإزاء العملة الوطنية لأنه فى حال الإفلات من العقال التى يعيشها الدولار فسوف تتضاعف اسعار السلع المدعومة وغير المدعومة
وسوف تتسع الفجوة بين الجنيه والدولار وتتمظهر تلقائيا فى اسعار السلع المدعومة وغير المدعومة فلا مناص من معالجة الأزمة فى مكانها ومكانها هو حيث (يفنجط) الدولار
و المداخلة أدناه تحديث لمداخلات عديدة نشرت عدة مرات لتجشم ترويض الدولار وغالب ما أقترحناه سابقا لا يزال هو الحل الأقرب للنجاح وفي الوقت الراهن الذي زادت فيه (فنجطة) الدولار ورغم حالة التفلت الكبير فى سعر العملات الأجنبية فإن الحديث عن تعويم متدرج للدولار و الإحتفاظ بسياسة تعويم جزئي لسعر الصرف للجنيه السوداني ربما هى الخيار الوحيد الذى هو متاح فى الوقت الراهن. فمهما كانت آلام المخاص العسير فلابد مما ليس منه بد . و سياسة التعويم المتدرج سياسة ممتدة ومجربة للتعامل بفاعلية مع الوضع المتذبذب لقيمة الجنيه السوداني وقيمة السلع المعروضة في الأسواق تبعاً لذلك. وتعويم سعر الصرف Flotation يعني ترك سعر العمله بالنسبة للعملات الأخرى يتحدد وفقاً لقوى العرض والطلب في السوق النقدية . والتي تشهد مؤخراً زلزالاً مخيفا وردات فعل وتوابع عديدة.

تعويم سعر الصرف وتحولات العرض والطلب:

تعويم سعر الصرف المعمول به في السودان هو (التعويم المدار) . وهو يختلف عن التعويم المطلق لسعر الصرف الذي يدفع نحوه صندوق النقد الدولي ولو جاع الجائعون . فالتعويم المطلق هو ترك السعر يتغير ويتجدد بحسب قوى السوق ودون أي تدخل من البنك المركزي . وقد يقتصر تدخل البنك المركزي على التأثير في سرعة تغير سعر الصرف دون اللجوء للحد من ذلك التغيير . وهو الأمر المعمول به في منطقة اليورو وفي الدولار الأمريكي والين اليابانى والجنيه الاسترلينى والفرنك السويسرى . وهذه السياسة تستند على قدرة واسعة لقوى الانتاج في تلكم البلدان . و التعويم يقتضي سرعة وقدرة وكفاءة الأجهزة المالية وهى متطلبات يحتاج المرء لشديد تفاؤل ليرجو توفرها . ففي بلد مثل السودان يعتمد بنسبة 80% على الاستيراد في تلبية احتياجات الانتاج والاستهلاك فإن التعويم المطلق للجنيه السوداني قد يخرج به عن السيطرة تماما فإذا لجأت الحكومة الإستجابة للضغوط التعويم المطلق فلربما يجاوز الدولار ألف جنيه أو تزيد بمجرد إعلان القراى .وذلك لأن قوى الانتاج الضعيفة والمضروبة حاليا بآثار جائحة كرونا وسياسات حكومية غير تحفيزية وكذلك احتياطات نقد أجنبي ليست شحيحة بل معدومة فكل هذه العوامل لا تمكن البنك المركزي من الجلوس بإرتياح في مقعد القيادة ، والسيطرة بالتالى على السوق النقدية التي سيكون في مُكنة المضاربين والمحتكرين التحكم بها أكثر من قدرة السلطات النقدية بالبلاد . ولذلك فقد كانت السياسة المتبعة هي تعويم السعر المدار أى تلك السياسة التي تسمح للبنك المركزي بالتدخل استجابة للمؤشرات بيد أن الحذر في الماضي شل أيادى البنك المركزى من إنفاذ السياسة بالجرأة اللازمة لإتباع المؤشرات التى تتمثل فى رؤية الفجوة بين العرض والطلب ، ومستويات السعر العاجل والآجل والتطورات الآنية في السوق ، مثل عطلات المغتربين أو مواسم الطلب العالي مثل موسم العمرة في رمضان وموسم الحج وما إلى ذلك . و هذه سياسة تتبعها ثلة من البلدان ذات العملة المرتبطة بالدولار أو اليورو أو سلة من العملات. والسودان الذي اعتمد رسمياً ربط الجنيه باليورو لسنين عددا لم يستطع أن يفرض ذلك على السوق النقدية بالبلاد . حيث يتعامل أكثرها بالدولار فتحتسب قيمة الجنيه السوداني به . وعلى الرغم من ذلك فقد كانت سياسة التحرير المدار سياسة ناجحة وناجعة بخاصة في زمن الراحل عبد الوهاب عثمان . وقد ضمنت للعملة الوطنية استقراراً طويلاً أمتد من بعده لأكثر من عقد كامل بمتابعة دكتور صابر السياسة بصبر وحزم . وقد اتبعت هذه السياسة قبل تصدير البترول وأثبت نجاحها في تحقيق الاستقرار للجنيه السوداني . فما الذي جرى وسبب العواصف الأخيرة التي أضرت إضراراً بليغاً بهذا الاستقرار؟

صدمة الانفصال:

الاقتصاد المستقر قد يتأثر بصدمات تأتيه من الخارج فتؤثر فيه تأثيراً كبيراً. وما جرى للجنيه السوداني كان أمراً من هذا القبيل . فعلى الرغم من عدم تأثر الجنيه السوداني بصدمة الأزمة الاقتصادية العالمية في العام 2009م والتي أضرت بأسعار البترول وأرتفعت أسعار السلع المستوردة فقد استطاع الجنية السوداني آنذاك أن يستوعب صدمة الأزمة الاقتصادية العالمية . و لا تزال آثارها تتوالى علي جميع الدول في العالم وبخاصة الدول في العالم الثالث التى تعتمد علي الاستيراد لتوفير احتياجاتها الانتاجية والاستهلاكية. بيد أن صدمة الأزمة العالمية جاءت بعدها صدمة هائلة للاقتصاد. تمثلت في انفصال الجنوب واقتطاع 75% من انتاج البلاد وصادرها من البترول من الموازنة العامة وكذلك من عائد الصادر . فاختل بذلك الميزان الداخلى والميزان الخارجى بدرجات متفاوتة . بيد أن الأخطر من ذلك كانت هى الصدمة النفسية التي اقترنت بالانفصال . وتوقع الجمهور والسوق على وجه الخصوص لتقلبات واختلالات كبرى في الاقتصاد . مما أدى إلى حالة تشبه التوقف التام عن عرض النقود في السوق النقدية. وبات من يملك قدراً يسيراً أو كبيراً من العملات الأجنبية في حالة ترقب . وحالة انقباض عن التعامل في تلك السوق انتظاراً لتوازنها من جديد. ثم تعرضت السوق لحالة من الاستنزاف للموارد المحدودة التي ظل بنك السوداني المركزي يرفد بها المصارف والصرافات . وتمثل ذلك الاستنزاف في محاولة حكومة جنوب السودان استبدال ما لديها من عملة سودانية دفعة واحدة بالعملات الحرة . وطرح عمله جديدة لجنوب السودان وذلك خلافاً لتعهدها بأن لا تلجأ إلى هذا الأسلوب.
بيد أن بنك السودان المركزي الذي لم يكن ليثق في تعهدات حكومة الجنوب كان قد احتاط لمثل هذه الحالة بتجهيز عملة جديدة . فقام بطرح الأوراق المالية الكبرى منها من السوق وسحب الأوراق القديمة . لحرمان حكومة جنوب السودان من توجيه ضربة قاصمة للسوق النقدية من خلال سحب ما يربو على (700) مليون دولار دفعة واحدة . بيد أن حكومة الجنوب وبعض المضاربين المتعاملين معها قد أفلحوا في تهريب نسبة 15% حسب تقدير البعض . وذلك من خلال تهريب بعض الأوراق الكبيرة وكل الأوراق والعملات الصغيرة للسودان . وقد شكل هذا العمل رغم التحوط له قدراً من الضغط على سوق العملات في السودان في وقت كانت تعاني فيه من تراجع العرض على نحو مريع . ثم أن وفاء حكومة السودان بدفع تعويضات الجنوبيين العاملين بالسودان والسماح لهم بتحويل هذه الأموال إلى عملات أجنبية عند المغادرة أدى هو الآخر إلى مزيد من الضغط على المعروض المحدود. وأدى جفاف السوق النسبى إلى تهافت المحتاجين للعملات الأجنبية لأغراض الاستيراد أو العلاج أو التعليم أو حتى العطلات.

عودة السوق السوداء:

وأدى هذا التهافت الذي ترافق مع بروز أباطرة السوق السوداء مرة أخرى إلى شبه تجفيف كامل للسوق . عجز معه البنك المركزي على التعويض الذي هو السبيل الوحيد لمناهضة السوق السوداء. ولما أتسع الرتق على الراقع كان لابد من سياسة جريئة مسنودة بترتيبات محسوبة لإعادة السيطرة على سعر الصرف . ومناهضة وترويض الفئة الباغية التي تضارب في العملات للاسترباح ولو على حساب استقرار الاقتصاد الوطني وعلي حساب حصول المواطن البسيط على السلع الضرورية بأسعار معقولة . وكان لابد من حزمة سياسات مالية ونقدية وأمنية في آن واحد . وهي الحزمة التي اعتُمدت في الوقت الراهن. فوزارة المالية عليها اتباع سياسة مالية تقشفية مع أحلال الواردات وزيادة الصادرات . وتشجيع الاستثمار ذا العائد السريع . وبنك السودان عليه أن يحصل على موارد تمكنه من إعادة القبض على زمام المبادرة . وذلك بتوفير وسادة من النقد الأجنبى تمكنه من التدخل وإدارة سعر الصرف بعد تعويمه . وذلك للنزول به تدرجاً نحو الوضع الاعتيادي الذي يعود فيه عرض العملات الأجنبية طبيعياً . ويتوقف إحجام من البائعين الصغار أو الكبار . ويعود فيه الطلب إلى الوضع الاعتيادي الذي يتمثل في الاحتياجات الحقيقية (غير الاحتكارية) للعملات الأجنبية.
وأما يبدو الآن للمتابع فإن حكومة قحت إستجابة للضغوط الخارجية قد خطت كل الخطوات للتعويم الكامل فكل السلع الإستراتيجية تحتسب بسعر السوق المتشقلب ولم يبق الإ سعر ما يسمى بالدولار الجمركي وهو السعر التأشيرى الذي تحسب به الجمارك قيمة المستوردات بالعملة المحلية والحكومة تعوض عن ضعف إيراد الجمارك بسبب إحتساب دولار تأشيري باللجوء إلى الضرائب المباشرة مثل رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة وإعادة فرض ضريبة رسوم الانتاج. وهي تلجأ بذلك للمخادعة فالجمارك ضريبة مباشرة يتحملها المستهلكون وكذلك ضريبة القيمة المضافة ورسوم الانتاج وزيادة رسوم الخدمات جميعا ومن العجيب إن زيادة الضرائب المباشرة يحدث في زمان حاضنة ذات أيدولوجية إشتراكية والضرائب المباشرة هي رمح يطعم في صدر العامة من الناس
أمين حسن عمر
نواصل

اترك رد