حسن إسماعيل يكتب : مؤانسات مع السفير الأمريكي الجديد

السودان

الخرطوم : الراية نيوز

– صحيح أن بعض الغافلين احتفوا بمقدمك إلى الخرطوم ومصافحتك للفريق البرهان وظنوا أن ذلك اعتراف مهم منكم بسلطة البرهان وكأنك أنت وأمريكا من خلفك من تمنحون الحكومات شرعيتها وأنتم من تسلبونها إياها …وهؤلاء بغفلة أعطوكم مجانا أكثر من حقكم بكثير ….وصحيح أن بعض المغفلين السطحيين غضبوا من هبوطك على الخرطوم فى هذا الميقات باعتبار أن ذلك يعتبر (تعميدا) لسلطة البرهان وباعتبار أن مصافحتك للجنرال السودانى ينقل له عافية الرضا والقبول الأمريكية… غفر الله لهؤلاء ولأولئك فإنهم لايعلمون …كلهم لايتذكرون أن كل عاصمة صافحتها أمريكا عادت بيدها وأصابعها منقوصة!!
– عزيزى السفير ستجدُ الخرطومَ منهكةََ ومرهقة ، ومعروقة ، ولاهثة ودرجة حرارتها تجاوزت الأربعين ذلك أنها تمر بحالة مخاض حزين وهل من حزن اكثر من الحزن على الحمل الكذوب ؟ أو أن تلتفت الأم لترى حصيد مخاضها فتجده (كتلا من الدم الأسود) والطبيبُ على رأسها يواسيها ( ربنا يخلف ويُعوض) ومع هذا فهى موقنة أنها ( شدة وتزول )
– اعلمً أنك ستطلب أول ماتطلب ملف مبادرة الطيب الجد وسيرته الذاتية وفصيلة دمه ونسبة (الاسيتون) وكل تقارير التاريخ والطب والسياسة وأنا سأختصر لك ذلك فى سطرين.. فالرجل هو حفيد (العبيد ودرية) كان موكل بخاصرة الخرطوم الشرقية فى معارك تحرير الخرطوم وعندما كان جنوده يزأرون بُعَيد صلاةِ الفجر قبالة منطقة كبرى المسلمية الحالية كان عرش ملكة بريطانيا (يحيضُ قبل أوانه) وكان الغردون فى قصره يطلب (حبوب الدياكسين ) فلايجدها ولاتسعفه (سفوفة الحلبة) !!…هذا عن جده ..أما هو فإن خلاوى شرق النيل كانت تستيقظ مع الهجعة تضم العيال النازحين من سعير حريق دارفور ، عرب وفور وتاما فترضعهم من ثدي واحد وتغطيهم بفراش واحد … حينها كانت يدكم العسراءُ تمد الحركات بالسلاح ويدكم الأخرى تكتب قرارات الحصار !!
– ستكتشف أن الخرطوم مدينة خاصة تستقبل النازحين من نيرِ الحرب فى أديس واسمرا وتطعمهم (الفتريتة الطاعمة) وتستقبل نازحي الجنوب الحبيب ، جون وملوال، وجيمس منذ فتنة المناطق المقفولة إلى فاصلة تقرير المصير وفشل الدولة الجديدة ، ثم هى ذاتها تستقبل مُهاجرة الحجيج من نيجيريا والكميرون والنيجر ثم هى تفتح صدرها لجرحى اليمن وسوريا وتسهر مع أيامى القدس وأيتام الضفة الغربية… وتواسى بغداد وتعتذر للكويت ، ستكتشف أنها مدينة ( بتعرف الواجب) (رِجلها واصلة ويدها ممدودة) وصدرها يتسع للجميع فهى بقعة مبروكة رغم العرق والغبار وصرة الجبين !!
– ستكون شغوفا لتعرف كيف أخرج (شفوت الإنقاذ) البترول (وباصوا كُرتَه) من تحت أقدامكم (بالبيضة) كما يفعل ماردونا ورونالدينو بدفاعات (البيرو والإكوادور) فى تصفيات كوبا أمريكا !!
– كما ستطلب زيارة الفريق عبدالرحيم محمد حسين ( النوبى ) الذي يقرأ القرآن بأربع روايات..الرجل الذى كانت تضحك عليه المعارضة فى الميديا ويضحك عليهم فى أرض المعارك فهزم مادلين أولبرايت وكان يحمى ظهر المفاوضين فى نيفاشا ويمنع جون قرنق من شراب القهوة فى توريت دعك من دار جعل !! ومن ثم يمنعه من تطفيف موازين التسوية فى كينيا
– ثم ستسأل عن البروف السبعينى مأمون محمد على حميدة الذى كان يقطع المسافة من بيته إلى مكتبه راجلا والمعارضة تنتاشه بالأسهم الكذوب وهو يدير معركته مع الملاريا والبعوض والسل والدرن وفشل الكُلى وأمراض الناسور ثم لم يجد القضاء مايدينه به غير انه أوقف عربة لشفط آبار الحمامات فى زنازين بحرى من حر ماله ثم وهو يُقيم به حائطا يريد أن ينقض دون أن يتخذ عليه أجرا فالجلوس مع بروف مأمون سيعلمك الفرق بالضبط بين رجال حكومات الكفاءات ، وكرتون حكومات الخواء والفشل الجهير !!
– ستعلمُ أن الخرطوم بدون أمريكا وبدون سفيرها ومنذ عقود كانت تبيع الخبز لأبنائها بقرش ثم بنصف ج وهى من بركات هذه المدينة وكراماتها .. فهو سعر لن تجده فى أفريقيا شمال الصحراء وجنوبها ، وكانت تبيع البنزين والجاز أرخص ماتبيع به دول النفط الماء لرعاياها (شفت كيف) ؟؟ …كل هذا والخرطوم بلاسفير أمريكى ولاسفراء الترويكا ولايحزنون … وكانت تفتتح فى كل سنة جامعة وكبرى وشفخانة و(مدرسِى وُسطِى) ولله الحمد والمنة
– كما ستسألُ عن وزراء مالية الإنقاذ الذين جعلوا صندوق النقد الدولى (عمدة بلا أطيان) فلم يقفوا على بابه ليطلبوا منه فلسا ولم يعطونه من أموال أهل السودان مليما تحت بند السحت الحرام ولابند غرامات تهم جرائم الإرهاب الكذوبة !!
– والخرطوم هذه المدينة (الخلاسية ) ملفوفة الساقين ضامرة الحشا وقع فى عشقها الطهور الكثيرون ، بجة وفور وحلب ودناقلة وهواوير وزغاوة وشوايقة وعبابدة وبطاحين فتضاعف أهل السودان من (١٩مليون) نسمة إلى (٤١مليون) نسمة وهى فى تمام طهرها وكمال عفافها ماكان أبوها (امرأ سوء وماكانت أمها بغيا) ، فسعى ابناؤها بين أيديها..دهابة وطقاقة هشاب وجلابة ومهنيين وهمباتة ورجال أعمال وشعراء ومغنين وعمال يومية وهى فى تمام صباها وموفور عافيتها…كل هذا بدون سفير امريكى ،،فأنت لن تضيف لها (فرطاقة) ولن تسد منها ( خرم إبرة )
– عزيزى السيد السفير .. من يخبرك أن سقوط أمريكا فى الحساب هو الذى جعلها تخسر فى الشرق والغرب وعادت روسيا (لتورور) لها فى عينها والصين تزاحمها فى الإقتصاد وكابول تعود لحضن طالبان ، ومن اخطائكم التى يجب أن تتجنبوها هى هذه المظان الغبية أن هؤلاء الذين يزورونكم فى السفارة ويمدونكم بالتقارير الملفقة هم هم أبناء السودان والخرطوم…فهؤلاء بعض ولدتها الخاسرة وشئ من (بيضها الفسدان) …. فالبطن بطرانة ، تنجب خيلا أصيلا وبعض البقال وحتى لاتقع فى الفخ فتستعين بالكسور والبواقى فتضل وتردى فعليك بحفظ هذين البيتين :-

لأن الخيل قد قلت
تحلت حميرٌ الحى بالسرج الأتيق ….
إذا ظهر الحمار بزى خيلِِ
تكشّف أمره عند النهيقِ

( كلمتك)

اترك رد