دكتور ياسر أبّشر يكتب : حين تُؤتَمن الثعالب

السودان

الخرطوم : الراية نيوز 

دكتور ياسر أبّشر يكتب :
حين تُؤتَمن الثعالب

أعترف اليوم وعلى الملأ أنني أُغريت بأن أكون جاسوساً لدولة عُظمى . وتحدث إليّ الرجل الذي أرسلته مخابرات بلده لتجنيدي عن الفوائد الشخصية الجمة التي سأنْعَم بها بما يضمن لي مستقبلاً مريحاً . ومن بين المغريات أن أُمْنَح الجنسية استثنائياً بعد سنوات خدمة قليلة لهم ، وأن يدرس أبنائي في جامعات ذلك البلد وأن يوفر لهم المسكن و تُزال كافة العقبات أمامهم . باختصار لم أتردد لحظةً في رفض الطلب ، فما أنا من يخون بلده ودينه أو أعبث بتاريخ وتراث لأهلي ممتد ومتجذر في أرض السودان .
ومن فوائد تلك التجربة أن خلقت لدي وَلَعاً بقراءة دوريات التجسس والمخابرات وكتب الجاسوسية ومذكرات الجواسيس ، حتى بلغت درجة كدت أشتم الجواسيس شماً ، وأبغضهم !!!!
لم يكن عبدالله حمدوك سياسياً حاذقاً. وكعادة موظفي المنظمات الدولية كان ينتظر أن تنزل له التوجيهات والخطط جاهزة. لذلك اعتذر للمغتربين في السعودية بعد حوالى ثلاثة أشهر من تنصيبه ، أنه ينتظر أن توافيه قحت بخطة العمل !!! وكان اختيار الحزب الشيوعي له بسبب أنه مُطيع وينفذ ما يطلبه منه .
وبناءً على إيعاز الحزب الشيوعي وتشجيع من السفير البريطاني عرفان والمبعوثة روزاليند ماريسدن كتب للأمم المتحدة طالباً إرسال بعثة أممية سياسية تتولى حقيقةً الوصاية على السودان .وبالنسبة للحزب الشيوعي تتولى أهم مطلب وهو ما يسمونه ” إصلاح الجيش وإعادة هيكلته ” ، وتقرأ إضعاف الجيش وإبعاده عن أي تأثير سياسي ، وهو أقوى عقبة أمام طموحات وبرنامج الحزب الشيوعي لحكم السودان ، ومن ثم فيجب إزالتها .
وفي الثالث من يونيو 2020 أصدر مجلس الأمن قراره رقم 2524 الذي قضى بإنشاء بعثة يونيتامس UNITAMS . وتنافست عدة دول غربية ليتولى منسوبيها رئاستها ، وانحصرت المنافسة بين السفير الفرنسي بيلارد المتزوج من السودانية سهاد عمر النور خميس والذي كان سفيراً لفرنسا في إثيوبيا في أول العقد الثاني من هذا القرن ، والألماني ڤولكر بيرتز الذي فاز بها .
وبالنسبة للدول المتنفذة في عالمنا اليوم ليس موقع المبعوث الأممي مجرد وظيفة تُترك لأي شخص ولو كان مؤهلاً. بل هو موقع تقضي من خلاله تلك الدول أوطاراً سياسية ، وتُمكّن لاستراتيجياتها ، ومن ثم ترصد لها الأموال . وهذه بديهيات معروفة .
ولإرضاء بريطانيا وضمان مصالحها في مستعمرتها القديمة جرى تعيين روزالند مارسدن كمستشارة لڤولكر .
حدد القرار 2524 أربعة أهداف ليونيتامس وهي :
– تيسير الإنتقال لنظام ديمقراطي ، المساعدة الفنية لصياغة الدستور ، التعداد السكاني ، التحضير للإنتخابات .
⁃ دعم عملية تحقيق السلام وتنفيذ اتفاقياته .
⁃ المساعدة في حماية المدنيين في دارفور والمنطقتين .
⁃ حشد المساعدات الاقتصادية والإنمائية للسودان والقيام بتنسيق المساعدات الإنسانية.
من البديهي أن ڤولكر لم يفلح في تحقيق أي من الأهداف الأربعة التي حددتها القرار ، وبعثته في عامها الثالث الآن . وركز عمله على الجانب السياسي ، لكنه عَقد الأوضاع بدلاً من حلها . ويعود السبب الأساسي لفشله أنه لم يعمل وفقاً للمبادئ الأساسية الثلاث التي تحكم عمل البعثات الأممية وهي :
⁃ الحياد Neutrality
⁃ المبدئية Integrity
⁃ إشراك كل الأطراف Inclusivity
أمًا الحياد فقد جانبه ڤولكر تماماً يوم أن حشد بمكتبه أمجد فريد الشيوعي والمدان بضرب زوجته وهو ما لا تقبله لا شرعة الأمم المتحدة ولا مبادئ النسويّة التي ترعاها. وحشد في مكتبه بيساريين من أمثال فيصل محمد صالح الذي أصبح أداة تمويل منظمة طيبة التى كان يعمل بها ، من أموال مكتب ڤولكر وداعميه الأوربيين وغيرهم من عناصر اليسار الذين يمدونه بالمعلومات والتقارير لقاء أموال يتلقونها لتجسسهم .
ولم يكترث ڤولكر للمبدئية التي تعني مراعاة قواعد القانون الدولية وما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة ، فقبل بممارسات وتجاوزات لجنة التفكيك والاعتقال لسنوات دون توجيه تهمة أو محاكمة لمواطنين ، وفصل ألوف الموظفين لمجرد الظن أو الاتهام بتوجه سياسي معين ومصادرة حقوق وأملاك وأموال مواطنين دون حكم قضائي. وكل هذه الممارسات مناقضة للمبدئية ولا تقبلها أي شِرعة .
وقبل إقصاء مواطنين لأن توجههم إسلامي ، وقبل حل حزب المؤتمر الوطني بالتناقض مع مواثيق حقوق الإنسان ومبادئ الأمم المتحدة. وقصر ڤولكر نشاطه ولقاءاته مع العناصر العلمانية واليسارية والليبرالية والأحزاب الصغيرة ومن ثم لم يعبأ بالأكثرية. وكل هذه مناقضة لمبدأ إشراك كل الأطراف .
وفي سبيل بلوغ أهدافه لم يكترث لأي محددات أخلاقية ، فقد زَوّر توقيع ود لبات ممثل الإتحاد الأفريقي ، وإسماعيل وايس ممثل إيقاد وهما عضوان معه في الآلية الثلاثية !!!
وأمس الأول كذب لمجلس الأمن فدعم ما زعم انه دستور أعدته لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة :
” تجمع الآن طيفًا واسعًا من القوى المدنية حول رؤية واحدة ” كأنه لا يعرف كيف تُسَن الدساتير !!!
ومعروف للكافة أن ما نظمه ڤولكر في هذا الصدد قصد به إجهاض مبادرة الشيخ الطيب الجد التي حازت على القبول من أكثرية السودانيين. وفي هذا المسعى الخبيث اشترى ذمم الذين كانوا وراء الورقة المُسماة دستوراً بالمال بشهادة مكتوبة ومسجلة من عضو لجنة التسيير الاستاذ المحامي يحيى محمد الحسين .يكذب فولكر فيزعم ان طيفاً واسعاً دعم تلك الورقة في حين أن المحامين الذين في اللجنة لم يدعموها دع عنك باقي المحامين وأطياف السودانيين . الذين كانوا وراء تلك الورقة كانوا من العملاء المكريين الذين نشتَمّهم ، وحَبْقَة العمالة دون الأنفِ مشمومة !!!
وبلغت الجرأة بڤولكر أن عرّض بالموظفين الذين أعادتهم المحكمة العليا وكانت فصلتهم لجنة التمكين ظلماً ، بل ومحرضاً عليهم وعلى غيرهم من الاسلاميين فيقول :
” وفي الوقت نفسه بدأت عناصر من النظام السابق كانت أزاحتها الثورة بالعودة تدريحياً إلى المشهد السياسي والإدارة والمجال العام ” فتأمل هذا التحيز ومجانبته ما تقضي به الشرائع من حقوق ، بل تأمل العدوانية في حديث الرجل .
ومثلما زَوّر من قبل لم ينسَ أن يُزَوّر هذه المرة فحذف فقرة من تقريره عن حميدتي !!!
طيلة فترة رئاسته ليونيتامس لم يتحدث ڤولكر عن انتخابات ولن يتحدث !!! الانتخابات لن يفوز فيها الذين نشتمهم وجرى تجنيدهم بالمُغرِيات لفولكر والسفارات ، بشهادة خالد عمر يوسف ( سلك ) المشهورة والمنشورة .

دكتور ياسر أبّشر
———————————-
15 سبتمبر 2022

اترك رد