أحمد الشريف (أمادو) يكتب : التسوية الشاملة

السودان

رصد : الراية نيوز

أحمد الشريف (أمادو) يكتب : التسوية الشاملة

الحاصل في السودان هو بالضبط نفس المشهد المعتاد في شوارع السودان. لما شارع رئيسي يكون مقفول، والناس تنزل من المواصلات وتمش بكرعينها لحدي محل القفلة، وتكتشف إنو سبب التعطيل دا واحد أرعن وقف عربيتو بالعرض في الشارع، احتجاجًا على تخطي خاطئ مثلًا، وبعد شوية قعد يتشاكل مع الناس العاوزين يحجزو، وركب راسو وقفل عربيتو بالمفتاح ومشى. لحدي ما يجو ناس المرور ويثبتو انو هو صاح.

غياب منظر زي دا من شوارع مدن دول تانية مزدحمة أكتر، بكون في العادة أول ما يلاحظو السوداني وكت يطلع! الناس كلها عاوزة تعدي، وأي زول عارف هو داير شنو، وماشي ليهو. ولو في اتنين زي البقفلو الشارع في السودان، بالكتير بيركنو على جنب، ويزعقوا لبعض، أو يشخرو لبعض ويتضاربو والشارع ماشي.

في السودان، مافي أخلاق وآداب خاصة بالمجال العام على مستوى الدولة! يعني في أخلاق للقرية وللحي، في تقاليد حاكمة للتدافع البشري في المستويات الأقل من الدولة.

حاجة زي دي مفهومة نتيجة لحداثة عهدنا بالدولة نفسها، وقبل ذلك لحداثة عهدنا بالزحام والتعامل مع غرباء، وهي المعلومة البيتناساها الخطاب السياسي، والمطلوب الذي يصادر عليه.

أضعف فاعل سياسي حاليا هو لجان المقاومة والمجموعات الكتيرة البتشوف نفسها فيها وبتتعاطف معاها. وهي اختارت تكون لا شئ، اختارت تكون ضعيفة وعاجزة عن فعل أي شئ، بل وعن قول أي شيء. ومع ذلك، رغم ضعفها دا، هي قادرة تكون قوة معطلة. ما بتقدر تجيب قون ولا عارفة المرمى بي وين، لكن بتقدر تطفش الكورة وتضيع الزمن، ومع الزمن القدرة دي ذاتها حتفقدا.

لجان المقاومة ما عندها أي خيار بوضعها الهامشي والضعيف الحالي، غير تهرب للأمام بالمواكب والغنجات، اللي هي الحاجة الوحيدة الممكن تعملا، وتخلق دربكة دايمة، احتمال يجي قون فجأة. تعويلًا على انو البلد دي سريالية!

نفسي كلامي الفوق دا، قالوا الناطق باسم الحزب الشيوعي قبل أيام “التعويل على التراكم” يعني مافي تصور واضح، لكن نواصل الدربكة وتطفيش الكورة، لحدي ما يحصل “تغير نوعي”! اللي هو الكلام الفيو إحالة خاطئة لي تصورات سوفيتية مبسطة، ولي “قوانين الحياة الدنيا” التي اكتشفها رجل ألماني مات قبل اختراع التلفون والمصباح الكهربائي.

إذا كانت لجان المقاومة وهي أضعف أطراف الصراع قادرة تعطل الأطراف التانية، بمنهج “قطع الطريق” الذي استعاره الخطاب السياسي للحزب الشيوعي من تراث الهمبتة والنهضة السوداني، فما بالك بالكيانات الأكثر تنظيمًا وقوة، وعلى وجه الخصوص كيان مثل الحركة الإسلامية! الكيان الذي حكم نصف عمر الدولة الوطنية.

بدأ الكيزان نشاطهم السياسي بعد الافاقة من صدمة الثورة بالحديث عن “معاش الناس” وهاهو اليوم يصل مرحلة “الكرامة”! والكرامة المقصودة هي كرامتهم هم كتنظيم، خيفة أن تراق يوم يعود البرهان لشركائه الضعفاء الاخرين. أين ذهب “معاش الناس”؟
يريد الكيزان أن يجابهوا السفارات والتدخل في السيادة الوطنية، ويريد الحزب الشيوعي أن يجابه البنك الدولي وقوى الهيمنة العالمية، بينما لا أحد مستعد لمجابهة تحلل الدولة، والكرب المعيشي العظيم الذي يطبق على البلاد والعباد كل يوم.

الكيزان ذاتهم سودانيين! وذاتهم ممكن يركبو راس! بل وهم أقدر على الأذية من كل الأطراف الأخرى، والمضرة دي أصلها ما محتاجة ليها قدرات. زول واحد في ساعة بينسف حاجة بنوها مئات الناس في سنين.

الكيزان انت بتقول انهم بلا مبادئ ولا شرف، يلا دي أحسن ميزة انت محتاج ليها. في السياسة الانتهازي أحسن مليون مرة من الأخلاقي، وأساسًا مافي زول ود ناس ومحترم بيخش في صراع السلطة “حب السيادة ما بليق بمن سلك هذا الطرق”. الانتهازي عارف هو عاوز شنو، وغالبا بتكون حاجة ممكنة.

كل الخطط للفترة الانتقالية بتتكلم بشكل علني، مش بس عن تصفية الكيزان، بل عن فترة انتقالية مهمتها الأساسية الوصول لانتخابات يكون من المستحيل فيها فوز التيار الإسلامي! والكلام دا بتقال من أيام حمدوك عن انتخابات النقابات! لو عملنا انتخابات حيفوزوا الكيزان! دستور المحامين مصمم كده، ومواثيق لجان المقاومة مصممة كده، والفترة الانتقالية الفاتت مصممة كده.

افرض الكيزان اتنازلوا عن الماضي “محاسبة المجرمين والفاسدين قضائيا” ، وافرض اتنازلوا عن الحاضر “عدم المشاركة في الفترة الانتقالية” كيف حيتنازلوا عن المستقبل! التسوية الشاملة هي بمنتهى الاختصار: تنازل القوى المعارضة عن رغبتها في تصفير المستقبل السياسي للكيزان، وتنازل الكيزان عن كل ما ومن يقول القضاء النزيه كلمته فيه. أما التنازل عن الحاضر، وهو الحكم في الفترة الانتقالية فهو مطلوب من الجميع! لا معنى لحكومة غير حزبية، تنفذ برنامج حزبي.
أحمد الشريف (أمادو)

اترك رد