سناء حمد تكتب : نحن ..بين سارتر وفانون

السودان

الخرطوم : الراية نيوز

سناء حمد تكتب :

نحن ..بين سارتر وفانون

حين كتب فرانس فانون كتابه ” معذبو الأرض ” في سنة 1961، خط الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر مقدمة الكتاب ، وحلل فيه وشرح بإسهاب الدور التدميري لنخب العالم الثالث في الدول حديثة الاستقلال ، وكان النضال ضد الاستعمار في افريقيا في قمته آنذاك.
اتفق سارتر مع فانون أن لا خلاص من الاستعمار إلا بتدميره فقد غدا كارثياً ومرضاً عضالاً سحق الشعوب وانتهك كرامتها وسعى لمسح كينونتها .
لكن سارتر ركز على دور النخب المتغربنة والمتبرجزة التي صنعها الاستعمار، تلك النخب التي قامت بدور الوساطة بين المستعمر وشعوبها بعد رحيله عن أراضيها،إن هذه النخب الهشة الناشئة من العدم والتي تستعير كلماتها من المستعمر وتعيد إنتاج خطاب هجين وممارسة سياسية واجتماعية بعيدة عن طموح الشعوب المتحررة حديثا والتي لا تنسجم لا مع تاريخها ومنطلقاتها ومرجعياتها الفكرية والوجدانية وخصوصياتها الإثنية والحضارية والعقدية ، وهي تكرس لاستدامة الهيمنة الغربية الإمبريالية على تلك المستعمرات والمحميات سيئة الحظ .
” هذه النخب التي تعشق وي البشرة البيضاء وثقافتهم ، وهي وتقدم خدماتها وخبراتها مقابل نيل الرضا والمكاسب الأخرى والتي لا تخرج عن مكاسب شهوة المال والسلطة ، وذلك في مقابل عرقلة أوطانها عن النمو الحقيقي والرفاه والتقدم والعلمي والصناعي والتحرر النهائي من ربقة الاستعمار والتبعية له”
وانا اطالع مقدمة سارتر ..اعدت النظر مرتين لأتأكد ان الكتاب صدر في 1961….فكأنه يصف ما نعاصره ونراه …
لقد كان من الامور التي دفعت كارل ماركس للمراهنة على العمال ، ظنه انهم الاسرع استجابة للتغيير والاقرب الى روح التجديد ، عكس الفلاحين الذين راي انهم لن يستطيعوا القيام بالثورة لانهم مستقرون مرتبطون بالارض ومحافظون تقليديون ، واعتبر بعض الذين طوروا الفكر الماركسي ان جهاز الدولة البيروقراطي الذي صنعه الاستعمار و مرتبط به ولن ينفك عنه ، و حاله كحالة الفلاحيين بل أسوأ ! وقد وضع البعض الاحزاب التي نشأت اثناء الحقبة الاستعمارية في ذات التصنيف ووصفها بعضهم إنها أحزاب السمسرة والعمولة على حساب السيادة والحرية الكاملة ، فهي لن تخالف المستعمر في راي وان يكون لها امامه ارادة ” ، ولن تشعر في لحظة انها تخون شعبها ووطنها في علاقتها بالمستعمر لانها ببساطة صنيعة استعمارية …واتسعت هذه الحالة لتضم احزاباً نشأت بعد الاستقلال بسنوات ولكنها كسابقاتها صناعة القوى المهيمنة وذلك لادامة سيطرتها في ثوب جديد وبوجوه جديدة !! .

يقول الدكتور سامي الدروبي “إن هذه الأحزاب لا تدعو إلى العنف لأنها لا تهدف إلى قلب الأوضاع التي أنشأها الاستعمار رأسا على عقب ولا تطمع في أكثر من استلام الحكم من يد المستعمر كل ما تريده أن تفاوض المستعمر وتنتهي معه إلى تسوية !!
إن مجموعات البرجوازية الوطنية وتضم الاحزاب المصنوعة وكبار الرأسمالية الذين قدمتهم علاقاتهم بالمستعمر وكبار الموظفين الذين اعتادوا على عطايا المستعمر واعتبروا دوماً ان ما بتحصلون عليه هبة منه ،وهناك وكبار ضباط الجيش الدين وصلوا الى مستوى وظيفي صنعه المستعمر تنفتح لهم فيه العلاقات وتضعف عليهم الرقابة … فيستطيعون الحصول على كل ما يضمن لهم معاشهم وحياتهم .
بحسب سارتر وفانون و الدروبي فإن هذه المجموعات تخشى تيارات الاستنارة ، وتخشى ان يكون هناك وعي بالتحديات الحقيقية للبلاد ، وترفض كل أمر لا يتناسب والمستعمر بصورته الظاهرة او المستترة ، حتى ولوًكان هذا الامر هو الدين او السيادة !! وتعتبر هذه المجموعات ان اي احتكاك بينها وبين الشعب ذو نتائج كارثية ، وعليه تظل هي محتمية بالمستعمر وقوته الباطشة ليهدد شعبها انابة عنها ، او يسحقه ؟ ليعيدها هي لصناعة المشهد ، فهي ” لا بتغلِّط عليهو ولا بتوَّسخ ايديهو “!!.
ما اشبه اليوم بالبارحة !!

اترك رد