أبناء الزيجات السرية في موريتانيا.. حكايات نبذ وضياع

السودان

“لأن والدي لم يعترف بانتمائي إليه، طلقني زوجي بعد يومين من زفافنا”، هكذا أوضحت لاله ” 29 عاما” بصوت يعتصره الانكسار لسكاي نيوز عربية، أسباب طلاقها.

فلاله، التي تبيع حاليا مستحضرات تجميل النساء، تزوجت والدتها سرا من رجل يصنفه المجتمع الموريتاني من علية القوم بوجود شاهدين، وحين أنجبت طفلتها البكر والوحيدة، تنكر لها الزوج رافضا الاعتراف بأبوته للفتاة “لاله”، مما فاقم من مأساتها، بعد توجيه تهم الفجور إليها أثناء فترة الحمل.

لم تستطع لاله التغلب على تبعات طلاقها الذي جاء نتيجة لضغوط أسرية من أقارب الزوج، ولم تسعفها قواها لتجاهل النظرة الدونية التي يقابلها بها المحيط، ومازالت مثقلة ببعض ذكريات الماضي، رغم أنها لم تعد تكترث لمن يكون والدها.

 وتقوله لاله لسكاي نيوز عربية:”لا أحب نظرة الشفقة التي ينظر إلي بها البعض، وأكثر شيء كسر خاطري حتى الآن، حين سألني معلم جديد في مرحلة الابتدائية عن اسمي، فأجابته إحدى زميلاتي في القسم بـ: “لاله بنت الدولة”، أي البنت غير شرعية“.

مجردون من الاعتبار
ولأن المجتمع الموريتاني قبلي، ويعامل فيه الفرد حسب نسبه، لن يجد فيه مجهول الأصل مكانة. فعبد الله، صاحب صالون “حلاقة” بأحد أحياء ولاية نواكشوط الجنوبية، هو الآخر لم يعترف الرجل الذي تزوج أمه سرا بأنه من أبنائه، وعانى كثيرا من التمييز، والنظرة الدونية، خاصة أثناء فترة دراسته.

ويقول عبد الله لسكاي نيوز عربية: “لم أحظ بتقدير ومكانة مثل أقراني أثناء تعليمي في مرحلتي الابتدائية والإعدادية بالبادية، وأكثر ما أحزنني، هو عبارات الطعن والسب التي توجه صوب والدتي، ونتيجة لهذه الوضعية، قررنا النزوح لنواكشوط إلى الأبد”.

الفقر
وترجع أغلب المنظمات الحقوقية في موريتانيا، انتشار ظاهرة الزواج السري إلى الفقر، حيث يتقدم الأغنياء إلى الفتيات الفقيرات، ويغرون أسرهن بالأموال الطائلة، ووعود بانتشالهن من الفقر، مقابل زواج عرفي “سري”.

وتشير المنظمات إلى أن أغلب هؤلاء، يختفون عن الأنظار، حين تظهر علامات الحمل على المرأة.

 آمنة الهادي “اسم مستعار”، تخوض حاليا معركة قضائية في محكمة لكصر بنواكشوط، بعدما رفض الرجل الذي تزوجها سرا، أن يمنح أوراقه المدنية لابنتها ذات 6 أشهر.

وكانت آمنة، قد تزوجت سرا قبل فترة، من أحد أقربائها بعد عدة محاولات منه، رغم أنه متزوج من قريبة لهما.

تقول آمنة لسكاي نيوز عربية: “تزوجني بحضور شاهد واحد، ولم أفصح عن هويته لوالدتي، نظرا لقرابته بنا ولأنه متزوج، وحين أنجبت منه فتاة، رفض الاعتراف بها، وبدأ يقذفني في محاولة منه للتهرب.

وأضافت آمنة “واجهت الكثير من النبذ في محيطي، وأحزن الأمر كثيرا والدتي، لكنني لم أعد مكترثة بما يقال، فقد صوبت اهتمامي نحو قضية ابنتي من أجل انتزاع حقوقها، وأنتظر الآن حكم القضاء النهائي”.

وبحسب تقارير حقوقية، فإن أغلب أبناء الزواج العرفي غير المعترف بهم، في الولايات الداخلية، قد بدأوا مؤخرا باللجوء إلى القضاء.

من بين الناشطات في هذا المجال، المرشدة الاجتماعية مريم بنت سيدي عالي عضو في منظمة رابطة النساء معيلات الأسر التي اشتهرت بالدفاع عن هذا النوع من القضايا.
وتؤكد مريم في حديثها لسكاي نيوز عربية، وصول العديد من هذا النوع من الحالات إلى المنظمة منذ 2010، وقد اعترف أغلب الرجال بأبنائهم بعد معارك قضائية.

 وتقول مريم: “وصلتني الكثير من الحالات، ووقفت مع ضحاياها حتى انتزعن حقوقهن، و بداية العام الجاري، وصلتني حالتان، فيما وصلت المنظمة خلال العام الماضي، 25 حالة.”

انتشار ظاهرة نكران الآباء للأبناء المولودين في إطار الزواج العرفي، غالبا مايعود إلى التهرب من المسؤولية، بحسب الإخصائي الاجتماعي أحمد محمود ولد الطيب.

 ويرجع ولد الطيب انتشار ظاهرة الزواج العرفي، إلى الخوف أحيانا من الأعباء الاقتصادية التي تصاحب حفلات الزفاف.

ويقول ولد الطيب لسكاي نيوز عربية: “المجتمع الموريتاني حساس تجاه الزواج العرفي الذي تدخله الريبة، وإن كان مكتمل الأركان من الناحية الشرعية، وفي النهاية يكون الضحية في أغلب الأوقات، هم الأبناء الناتجون عن هذا الزواج.”

وقديما كانت أغلب ضحايا هذا الزواج تلتزمن الصمت، لكنهن بدأن مؤخرا بالاستعانة بالمنظمات الحقوقية من أجل اللجوء إلى القضاء، خاصة بعد أن تحولت قضية من هذا النوع إلى رأي عام، حيث انتهت بالحكم لصالح الطفل الذي تنكر له والده.

محمد محمود يوسف – نواكشوط – سكاي نيوز عربية

اترك رد