دكتور ياسر أبّشر يكتب : الدور الخارجي في إسقاط البشير(5)

السودان

دكتور ياسر أبّشر يكتب :

الدور الخارجي في إسقاط البشير(5)

قرر القسيس القبطي أن يحذو حذو الدعاة المسلمين في الدعوة للمسيحية في الأماكن العامة وفي أي مكان يجدونه مناسباً. اختار القسيس المقاهي في الأحياء الشعبية مكاناً لدعوة المصريين لاعتناق المسيحية.

وفي أول تجربة له أخذ يحدث رواد المقهى عن مفهوم الأب والابن والروح القدس وكيف أن المسيح هو ابن الله وشرح معنى الثالوث المقدس..
ولما لاحظ أن الحضور يستمعون إليه ساكتين بدا له أنهم أعجبوا وانبهروا بحديثه، فأخذ يتحدّث بحماس ساعة كاملة..
وبعد ذلك الحديث الطويل تناول كوباً من الماء ليشرب، فانتصب أحد رواد المقهى واقفاً وصاح بالحضور: “وَحّدُووووه”، فهتف الجميع: لا إله إلّا الله.
عندها لم يجد القسيس سبباً للحديث ولا للبقاء.

وفقاً لإفادة مؤسسة البحوث الإسلامية IRF قبل حوالي عقد من الزمان، أصدر الغرب 60 ألف كتاب ضد الإسلام خلال آخر 150 عاماً. وبالطبع زاد هذا العدد الآن، إضافة لعشرات ألوف البحوث والمقالات.
وتعرض المسلمون لصنوف من الاضطهاد والإذلال في بلادهم وخارجها، وخُلِقت لهم صورة عامة مُنَفّرة عنهم وعن دينهم.

ورغم ذلك بقي الإسلام الدين الأسرع نمواً عالمياً the fastest growing religion بشهادة معهد PEW الأميركي المختص بالأديان، واطّرد نموّه في الغرب خاصة.

ومعلوم أن اطراد نمو الإسلام، وتمسك المسلمين بأهداب الإسلام، يشكل خطراً على استثمارات شركات تصنيع وبيع الخمور، وأعمال business الدعارة، وأعمال المقامرة وشركات التأمين وتجارة المخدرات وما إليها.
ولضروب الأعمال أعلاه استثمارات وأموال تقدر بأكثر من 400 مليار دولار عالمياً. ولكل هذه الشركات وضروب الأعمال لوبيات وجماعات ضغط تؤثر على السياسيين والإعلام لرعاية مصالحها .
كما أن ازدياد عدد المسلمين وتمسكهم بدينهم أمرٌ تأباه الكنيسة العالمية، وجماعات الضغط اليهودية، ومؤخراً جماعات قوم لو….ط واللوبيات الداعمة لها والتي أصبحت مؤثرة سياسياً في الغرب.

تاريخياً، مثّل المسلمون في الأناضول والشام عائقاً في وجه الحملات الصليبية التي بلغت 8 حملات عسكرية (1096- 1291 ميلادية).
ومنذ القرن الثامن عشر شكَّلت الخلافة الإسلامية في اسطنبول حجر عثرة دون المد الاستعماري حين بدأت الدول الأوروبية تهافتها على أراضٍ ودول في أفريقيا وآسيا.
وقاد المتدينون وعلماء الدين وشيوخ الصوفية كل نضالات المسلمين في الدول التي استعمرتها أوروبا في منطقة الشام والعراق وشمال أفريقيا وشرقها. وأخيراً في الصومال والعراق وأفغانستان.

ولما وقعت واقعة 11 سبتمبر 2001 بدا كأنّ الغرب وَجَدَ فيها ضالته.
كل هذا التاريخ والحاضر القريب أقنع الغربيين أن المسلمين (والمتدينين من السنة خاصةً) يمثلون تهديداً لمصالحهم.
فانبرت “قائدة العالم الحر” تختط الخطط لإضعافهم واحتوائهم وربما لاستئصال شأفتهم.
ولم تكن الاستراتيجية الأمريكية التي نكتب عنها بِدْعاً في هذا المسار.

من الطبيعي أن اقتراب الموت من المسلم يقرِّبه لدينه أكثر، وعند تعرضه للخطر يذكر ربه، وإذا دخل حرباً – رآها عادلة وضد عدوٍ غير مسلم – صاح مكبِّراً الله، وعدّ هذا جهاداً.
والمسلمون عامةً يتوقون لما يَلُم شعثهم ويوحّد جماعتهم، ويرون الخلافة التي تجمعهم أمراً مرغوباً ومحموداً.
ويحترم المسلمون علماءهم الربّانيين، ويوقرون المتدينين الذين يستمسكون بعُرى الدين وما نصّ عليه القرآن.
ويتوق جمهور المسلمين أن تحكم الشريعة الإسلامية حياتهم.

لكن كل هذه المزايا والأشواق لدى المسلمين، تحيل المسلم إلى أصُولِي Fundamentalist في نظر الغربيين وبمفهومهم المسيحي للتَدَيُّن!!!
وكما أسلفنا، فقد قالت الاستراتيجية: إن الأصوليين “موتهم أفضل من حياتهم”.
والغربيون لا يأبهون لموت المسلمين، فقد قالت وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت – التي أخفت كونها يهودية ولم تعترف بذلك إلّا حين فاجأها صحفي استقصائي بذلك في أواخر سِنِي استوزارها – معلقة على موت 500 ألف طفل عراقي جراء حصار العراق:
“I think the price was right ”
“أعتقد أن هذا كان ثمناً مستحقاً”!!
فتأمَّل قسوة القلب وموت الضمير لدى من يدعي أنه يسعى لحرية جماهير المسلمين وتمتعهم بالديمقراطية.

تحدثت الاستراتيجية عن: “استخدام الإسلام ضد الإسلاميين”، وذلك باستقطاب بعض الدعاة، ليعملوا على مهاجمة كل العلماء والشيوخ الذين تصنفهم أميركا أصوليين.
ولعل مزمل فقيري والجامية المدخلية (أتباع محمد بن أمان الجامي وتلميذه ربيع المدخلي) يمثّلون أفضل نموذج لخلق أو صنع manufacturing شخصية مناقضة لقيم المرونة والتسامح في الإسلام بتأثير الدرهم والريال، أو ما يمكن تسميته مجازاً: “المسلم العدواني” Aggressive Muslim.
و”المسلم العدواني” هو ذلك الداعية الذي يتزيا بالحرص على الدين، لكنه عدواني يبث الكراهية، وتكون فظاظته واستهدافه لرموز العلم الديني الراسخة سبيلاً لإفراغ المجتمع المسلم من مراجعه العلمية..
وتلك أكبر خدمة تقدم للاستراتيجية الأمريكية.
هذا الضرب من (الدعاة) يقوم بنفس الدور الذي أوكلته الاستراتيجية للعلمانية الليبرالية في البيئات المسلمة، حتى وإن لم يتعمدوا ذلك.

أعدت الخارجية الأمريكية قاعدة بيانات بالشخصيات الدينية والثقافية المؤثرة في البلاد الإسلامية Key influencers لعزل وتشويه صورتها.
وهذا يفسّر كيف ولماذا سب شباب أغرار شخصيات لها وزنها الإسلامي بعد (الثورة). ويفسر كيف جرى استغلال بعض الأشخاص لتنفيذ برنامج عزل الدين عن الحياة توطئة لعلمنة المجتمع.

ومما أثار العجب استهداف وتدمير بعض المنظمات الطوعية التي كانت تقدم خدمات صحية وتعليمية وتقوم برعاية مئات ألوف الأسر المعوزة والأيتام، مثل منظمة الدعوة الإسلامية وغيرها.
لكن ما جاء في تقرير راند الاستراتيجي فسر ذلك. إذ نص على تبني وتنفيذ ما سماه دنيس روس – وأوردته وثيقة الاستراتيجية – “الدعوة العلمانية” Secular Dawa!!! لمنافسة التيار الإسلامي والحلول محله في مساعدة المحتاجين والفقراء.
نواصل إن شاء الله

ياسر أبّشر
——————————
25 يناير 2023

دكتور ياسر أبّشر يكتب : الدور الخارجي في اسقاط البشير (4)

تعليق 1
  1. […] دكتور ياسر أبّشر يكتب : الدور الخارجي في إسقاط البشير(5) […]

اترك رد