سناء حمد تكتب : على المحجة…كُن…إلى الإسلاميين ومن على دربهم.

السودان

الخرطوم:الرآية نيوز

سناء حمد تكتب ….
على المحجة…كُن
إلى الإسلاميين ومن على دربهم.
إلى تيار الوعي القائد والموعودُ من ربه إن صدق بالنصر، إلى من ظلّت معركتهم الأولى مع أنفسهم اللّوامة كحال أهل الإيمان، يعملون ويتعلّمون، يخطئون ويتوبون، إلى المطمئنون إلى أنهم دعاةٌ للحق لا يَضُرّهُمْ من ضلّ إن إهتدوا وكانوا بآياتِ الله يوقنون، ولا يُوقِف مسيرتهم القاصدة لله من شغلته الدنيا فخانْ عهدهم أو تعثّر فسقط.. ففارق دربهم،أنتم لم تكونوا قط مجرد مجموعة دعاة ومفكرين وطلاب علم ولا منظمة طوعيّة ولستم ثلة خبراء أو منبر علماء أو حِلف تِجار أو جماعةً صوفية ، لقد كنتم كل ذلك ويزيد .. كنتم وما زلتم دعاةً ولم تكونوا قضاة! ، دعاة اعتدالٍ واستنارةٍ وأصحاب همةٍ وبأسٍ وحكمة.
أنتم حركة تجديدٍ فكري وإصلاح مجتمعي،لها كيانها المتّنوع والممتد وهياكلها وتراتبيتها .. بدأتم قبل أكثرَ من سبعين عاماً ، حركةً تَضُمّ صفوةِ الصّفوة وقلةٍ من رجالٍ ونساءٍ جَمع بينهم الإيمان وروح المبادأة والقيادة ، تعاونوا فأنتجوا أفكاراً عظيمة ومشروعاتٍ نَفَع الله بها عباده، ولهم بإذن الله ثوابها ، وبفضلهم غدوتم مجتمعاً واسعاً ، ولم تعودوا كياناً يَحْدُهُ الزمان أو المكان ولا الوسائل والآليات..لم تعودوا غرباءُ دعوةٍ ولا فكرة .. فبفضلِ الله أنتم من أعدتم وثبّتم الدّين الحق في هذه البلاد ، فأشعتم فيها المعرفة بصحيحِ الدَّينِ والعلم فَنَصَبْتُمْ منابر العِلم وسيّرتم القوافل للبوادي وَالْحَضَر، وجعلتم الرذائلَ منبوذةً والكبائر في مكانها الذي أمر الله أن تُوضَع به ، وعَمَّرْتُمْ بيوت الله وشيدَّتموها في طول البلاد وعَرضها . . فأحييتم الدين كما لم يكن في هذه الديارِ من قبل، وفتحتم أعين أجيال شبّت على الحق والخير وعلِمت الحلال والحرام وَوعت بالحقوق والواجبات. أنتم من تَعَهَّدْتُمْ القرآن تحفيظاً وتفسيراً وَتَدَبُّرًا وقدّمتُم أهله فجعلتموهم في صدر المجالس نجوماً وأقماراً يقصُدها الناس .
وأنتم من أكَّد حب الوطن ومعنى الوطنية فعلاً لا قولاً ، ليس نصرةً لجهة ولا حميةً لقبيلة ولا حظّ نفس، فحين بلغت القلوب الحناجر وَاسْتُبِيحَتْ القُرى وسُفكت الدماء ودُنِّستِ المساجد وَمُزِّقَتْ المصاحف،نَفرتم غضبةً لله ورسوله وضد جيوش الظلام التي قوَّت الشرّ وصوت الفُرقة وكانت معه وخلفه وعند جنبيه تدفعه وَتُقَوِّيه وتسنُده، فَحُلْتُمْ قبل ثلاثة عقودٍ دون دمار بلادكم وحافظتم عليها الى حينٍ يُريده الله ، بأموالكم وعلاقاتكم وبدماءِ خياركم والْمُقَدَّمِينَ فيكم ، من غيركم يفعلُ ذلك ؟! .
لقد أخرجتم الحُكم والحُكام من الخرطوم لسائر السودان فَوُزِّعْتُمْ السُلطة والموارد والخدمات ما وُسْعكُمْ في هذا الوطن العريض واحترمتهم أهله ،لقد حَرَستُم الثغور وشيّدتم المدارس والجامعات والمستشفيات وَعَبَدْتُمْ الطرق والدروب وأستخرجتُم البترول والذهب ومددتم شبكات الاتصالات، لقد وفرّتم الماء حتى نَبْت الزّرعُ ودرَّ الضَّرعُ، وبنيتم المصانع وطوّرتم المدن التي ضجّت بالحياة والعمران وتغيّرت بفضل همّتِكم حياة الناس ..
أنتم دون غيركم وبرغم الجِراح امتلكتم الشجاعة واحترمتم خيار اخوتكم في جنوب السودان بالاستقلال ،وهي ذات الشجاعة التي امتلكها الضباط الأحرار في مصر حين احترموا رغبتنا نحن اهل السودان في الاستقلال .فلا تأبهوا لفاشلٍ مِحْجاج يُبْخِسّن عَمَلكم، فمن خَلَفُوكم الآن فشلوا حتى في الحفاظ على ما أوجدتموه من العدم، وأَعملوا يد الخراب في كل ساحةٍ ومحلٍّ ومجال.. فثقوا بأنفُسِكم ، ولا يَضِرْنَكُمْ ما يقوله البعض فيكفيكم أن الله يعلم والتاريخ حتماً سينصفكم وقد علِم بَذْلكُمْ و تضحياتكم وقد لوّنته دماء الآف الشهداء .
بِلادٌ ماتَ فِتيَتُها لِتَحيا
وَزالوا دونَ قَومِهِمُ لِيَبقوا.
أنتم من أثريتم قاعات الدرس وحلقات الأُسرِ مُدارسةً ومثاقفةً وَتَفَكُّرًا ،ولم تكن الثقافة لديكم محضُ شعرٍ ولا دِنَّ وعودِ وتثني،ولم يكن جمعُكُم إلا تفقداً لأحوال بعضكم والناس، وتدبيراً لشئونكم وشئونهم، مع علمٍ يُبذل وَرَأْي يُطرح وشورى تُعمل ،حتي غدا مشروعكم مشروع الأخيار والصالحين والوطنيين والعقلاء والبواسِلِ ،وحين شاء الله أمراً آخر نَزَع عَنْكُمْ السُلطان،ولعّله تعالى عَلِم أن فيكم ضَعَفاً فخَفَف عنكم المسئولية ولم يرفع عنكمُ التكليف وفتح لكم السُّبل لتعودوا إلى منبع قوّتكم الذي شَغَلَكم عنه السلطان الى الدعوة والمجتمع ، فإنه لا يَضْعُفُ أهل الفكرة ويقلُ عطاؤهم إلا حين يَشَغْلهُم عنها شاغل ، ولو عَلِم أعداءكم خَطر الحكُمِ عليكم لتركوكم فيه مشغولون بالسلطة وأمورها والناس وتدبير شئونهم عن أنفسكم وفكرتكم ودعوتكم، فأنتم:
شبابٌ لمْ تُحطِّمهُ الليالي ..
ولمْ يُسلمْ إلى الخصم العرينا …
ولم تشهدُهُمُ الأقداحُ يوماً ..
وقد ملأوا نواديهم مُجونا
وقد دانوا بأعظَمِهِمْ نِضالاً ..
وعلماً، لا بِأَجْرَئِهِمْ عيوناً!
فيتَّحدونَ أخلاقاً عَذَابًا ..
ويأتلفُون مُجتمعاً رزيناً
أنتم الآن في كل سهلٍ وواد، في كل قريةٍ وحيّ، أنتم في كل مهنةٍ وتخَصُص وكل سوقٍ ومجال، أنتم في كُلَّ حلفِ فضولٍ واجتماع عقلاء وبذلِ كرماء وفى كل هيعةِ جهادٍ او نُصرةَ مظلوم .. وحيثما تفرّقت بكم اَلسُّبُل فى أرْض الله ذات السعة حملتم بذرَتَكُم فنَبَت جُزِيرَها ونَمَت خيراً وصلاحاً ووعيَّاً،لقد تحوّلتم من فكرةٍ إلى واقع ومن صفوةٍ إلى مجتمع عريض، لم تَعُودوا بحاجةٍ في سائر شأنكم لقيادةٍ لصيقةٍ ومراقبة تبصِّركم بدوركم ولا واجبكم، لم تعودوا بحاجةٍ لأوامر عُليا تُنبّهكم إلى كيف تصطفُون حول أهدافكم ولا تبصِّركم بطبيعةِ تحدّياتكم.. لقد كنتم دوماً سابقين لمن معكم علماً وفطنةً وحكمةً وصبراً وجسارة وسَبّاقين للخيرات والمكرُمات،وكان هذا المجتمع ُوما زال هو مفتاح قوتكم،قدَّمَكم لأخلاقكم وَهَمَّتْكُمْ وحسن تدبيركم ،فكونوا عند حسن الظن دوماً ، وانتم من كيانٍ كبير ٍ مَعْنَى وَمَبْنَى ، متماسكٌ تُعلى فيه القيمُ والأخلاق،وتُتاح فيه المعارف وَتَتَبَادَل الخبرات وتتسعُ العلاقات وتقوى فيه الصلات ،فيتطوّر الفرد فيه ويقوى بمن معه فحافظوا عليه،وما زال المسجد قاعدة انطلاقكم ،والعِلم ومؤسسات العِلم هما مَصدَر قوّتكم.
أيها النبلاءُ.. المؤتمنون ، ستتعاظم الامتحانات وتزيد وهذا درب الصادقين، (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ ۗ أَلَآ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ) ،وأن صفكم لبُراءُ من كل فاسدٍ وصاحب جُرْم ، ولكنكم لستم ملائكة فدوماً هناك من يخطئون فتعاونوا على البِّر والتقوى ودافعوا عن انفسكم ودعوتكم بالحق والمُجازِ من وسيلة،ولقد رأيتم كيف كشف الله الزيف وعرّى الكَذَبة وَالْخَرَّاصونَ بأعجل مما ظننتم وظنوا، سيُجتهد عدوّكم في إختراقِ صفكم فتراصّوا وليُمسك كلٌّ منكم يد من يليه ليستوثق،وتذكروّا مهما تلوّنت الأمور أنكم أهل دعوةٍ ولستم محضُ ساسة،وأنه مهما طال الزمان فستأتي لحظة الوقوف بين يدي الله فأعملوا لها،وما وافق هذا الدين خُلُقاً وعملاً فإنه ميثاقكم وبيعتكم وما خالفه فأعطوه ظَهرَكم،إن الوقتُ الآن للصفوف المتراصة والقلوب السليمة المطمئنة بالله ولعقولٍ لا يَشَغَلها عن قضيتها وتحدّيها شاغلُ خصومةٍ أو خصيصةُ نفس، وقد احتسبنا نفرٌ من الخيار الذين كُنا نَدَّخِرهُمْ ليوم كريهةٍ وسداد ثغرِ ، مَضَوا ولم يُسلموا الراية ولم تَشغَلهم الهواجس والظنون عن حقٍ أمنوا به واتبعوه ،فلا تُسلِموا بعدهمُ العرين.
ايها الاسلاميون ،لا تضعوا لامتكم ، ففي الافُقِ غبار ٌ وقعقعة ،ومن لا يسمع ذلك فهو أصم ، ومن لا يري هذا الغبار فهو اعمي ولا راحة لمؤمن حتى يلقى الله.

اترك رد