ياسر أبّشر يكتب : “وجاتك كفاءات يا وطن” مرةً أخرى

السودان

 

أرى أننا أخطأنا أخطاءً كبيرة ثلاث مرات منذ استقلالنا، وكانت تلك الأخطاء هي (ثورتنا) على عبود، ثم (ثورتنا) على نميري، وأخيراً (ثورتنا) على البشير. وحجتي في ذلك أن الأنظمة التي أعقبت أياً منهم كانت أسوأ من نظمهم، بل إنها أضرت بالعباد وبالبلاد.

وفي تقديري أن كلاً من هذه (الثورات) كانت تجسيداً لما قاله مليڤان جيلاس Milovan Djilas الذي كان نائباً لرئيس يوغوسلافيا جوزيف بروز تيتو:
” تخلق كل ثورة وكل حرب أوهاماً، وتقام باسم تحقيق مثاليات لا يمكن تحقيقها”
“Every revolution, and every war, creates illusions and is conducted in the name of unrealizable ideals.”
وتفسير ذلك هو ما قاله تشي جيڤارا :
“على كل ثوري أن يتهيأ ليموت، ليس من أجل الدفاع عن مثال، ولكن من أجل تحويله إلى حقيقة”
Each guerrilla [revolutionist] must be ready to die, not to defend an ideal but to transform it into a reality .
لكن الذين ادَّعوا الثورية بعد الاطاحة بنظام الإنقاذ لم يتهيأوا لموت ولا تضحيات، ولم يكونوا أهلاً للدفاع عن مثاليات، ولم يكونوا أكفاءً ليحولوا المثاليات إلى واقع نعيشه.

وعلى عكس ذلك كله، فهم لم يقدموا قتيلاً واحداً من أجل شعاراتهم، بل حموا أبناءهم ونقضوا خيامهم يوم المقتلة العظيمة التي ذبح فيها حميدتي أبناء المساكين، ولم يمت حتى ابن واحد من كبار أو صغار الزعماء الثوريين. ثم قلبوا للموتى والجرحى من الشباب ظهر المِجن، فلم يثأروا لقتيل، ولم يذكروا ما قاله تأبَط شَرّا:
” إن بالشِعْبِ الذي دون سَلَع
لقتيلاً دَمُهُ ما يُطَل
خَلَّفَ العِبءَ عَلَيَّ وَوَلّى
أَنا بِالعِبءِ لَهُ مُستَقِلُّ ”

ولم يداووا جريحاً.

مليڤان دجيلاس شاقق الشيوعيين الحاكمين وقتها لمّا تبيّن له زورهم، وفضح فسادهم حين استوثق أنهم كذبوا على طبقة الفقراء والبروليتاريا، وشكّلوا طبقة جديدة ثرية تنعم بالامتيازات، فألّف فيهم كتاباً سماه الطبقة الجديدة The New Class.

جماعتنا هؤلاء كانوا خير مثال وتطبيق لقول البير كامو:
” Every revolutionary ends by becoming either an oppressor or a heretic.”
” في نهاية المطاف ينتهي كل ثوري بأن يكون إما طاغيةً غشوماً أو مهرطقاً زنديقاً”

أما طغيانهم وظلمهم فقد جسّدته لجنة التمكين التي صادرت أملاك الناس بلا حكم قضائي، وفصلت ألوف العمال والموظفين بلا هدىً أو كتاب قانوني منير.
وأما عن هرطقتهم فدونك تصريحات وجدي صالح، وكذب صلاح مناع ومحمد عصمت وجهالة محمد الفكي وأوهام مريم المنصورة، وادعاءات خالد سلك. وكراهية الغلام جعفر سفارات. ووا أسفاه على خالد حفيد الوالي ذلك التقي النقي، حياه الغمّام.

وفي طبقة ثوريي السودان الجديدة، المصنوعة من مال السّحْت، أصبح ياسر عرمان مالكاً لشركة طيران في شرق أفريقيا، وخزن وجدي صالح الدولارات والذهب والشاشات، واغتنت مريم من مال ود زايد، واشترى صلاح مَنّاع الشقق في القاهرة، واشرى كثيرون الشقق والفلل في الخرطوم وفي بريطانيا وباريس ودبي. ولم يُرجعوا مليماً من مال لجنة التمكين للدولة. ورأس الدولة يعفيهم من مسؤوليه السرقة.

أمّا آخر ما فضح قائدهم البرهان فهو تناقضاته ومراوغته في دمج الدعم السريع، لأنه لا يريد دمجه الآن.

ومن قبلُ حل البرهان هيئة العمليات بجرة قلم، وهي جزء أصيل من القوات النظامية، لكنه يتلكأ ويراوغ ويتناقض في تصريحاته عن دمج الدعم السريع.

هذا عِلْمَاً أن المادة 5-(2) من قانون الدعم السريع الذي أجازه البرلمان عام 2017، ونشرته الغازيتة الرسمية، تَنُصُّ على أنه:
“يجوز لرئيس الجمهورية في أي وقت أن يدمج قوات الدعم السريع مع القوات المسلحة وفقاً للدستور والقانون وتخضع عندئذ لأحكام قانون القوات المسلحة لعام 2007”

حميدتي يقول إن الدعم السريع أُنْشِئ بقانون ولا يدمج إلّا بقانون، وهو يعلم والبرهان يعلم أن القانون الذي أنشأه يدمجه، لكنها الحيل والألاعيب والعبث بالعقول. يظنان بنفسيهما ذكاءً!!!

وكل الناس يعلمون أن قحت المركزي وحميدتي أقاما زواج مصلحة كذلك الذي يُعقد بين ساقطة ومأفون، وأن قحت اتخذت من الدعم السريع ظهيراً عسكرياً، وأمرهم ود زايد أن يجعلوا من الدعم السريع “جيشاً موازياً” وفقاً لما كشفه الرزيقي، ووافق الخواجات مؤقتاً على ذلك ليتسنى لهم تفكيك الجيش. ووافق البرهان على كل ذلك.

وبعد اتصال مولي في Molly Phee مساعدة وزير الخارجية الأمريكية به قبل أربعة أيام (والبروتوكول لا يسمح له بالحديث مع من هو دونه ومن لا يكون رصيفه) لا يقوى البرهان على التباطوء في التوقيع على توصيات ورشة تفكيك الجيش وإجازة الاتفاقية الإطارية وإنفاذها. وويل للسودان من شرٍّ قد اقترب.

سيوقّع البرهان على إعادة (قحت المركزي – Minus)، ولن يِبالى بما تراه الأكثرية من السودانيين . سيوقع البرهان وينصاع لهم ما لم يضغطه عقلاء الضباط . وسيعمل مع حميدتي على قمع الأكثرية رغم أنها ستحتج سلماً كما تفعل.

سيقمعون الأكثرية وهذا ما أنذر به صبيّهم جعفر سفارات، الذي لم تبقِ هواجته له حتى بقية عقل، لأنّهم لا يعرفون حكمة جون كندي القائلة:
” Those who make peaceful revolution impossible will make violent revolution inevitable.”
” إنّ الذين يجعلون الثورة السلمية مستحيلة، سيجعلون الثورة العنيفة حتمية”

كفى “جاتك كفاءات يا وطن” سوءاً أنها تمخضت فولدت أمثال هذا الجُرْذ، الذي لا يُحسن سوى الوعيد والتهديد. وكفى ما آل إليه بؤسنا وانحطاط حالنا أن أمثال هذا صار يعتلي المنابر.
ياسر أبّشر
———————————
3 أبريل 2202

اترك رد