د. مزمل أبو القاسم يكتب : تصريح مولانا الحبر

السودان

الخرطوم:الرآية نيوز

للعطر افتضاح
د. مزمل أبو القاسم
تصريح مولانا الحبر

إذا كان النائب العام بجلالة قدره وكل سلطاته، يشكو الظُلم، فمن ذا يُنصِف؟
من يصُون الحقوق إذن، وأين سيجد الناس العدالة إذا لم تتوافر حتى لحُرَّاس العدالة؟
في تصريحٍ لصحيفة (الحراك) الصادرة أمس شكا مولانا تاج السر الحبر، النائب العام لجمهورية السودان، من تعرضه إلى حملاتٍ وصفها (بالسخيفة وغير المبررة)، وشبهها بالتي استهدفت وزراء سابقين، مثل أكرم التوم وإبراهيم البدوي.
ذكر مولانا الحبر ما يلي: (قلت للحكومة إذا أصبح منصب النائب العام هدفاً للمزايدات السياسية الناس تقنع من خيراً فيهو.. الأفضل للحكومة أن تجعل النائب العام مستقلاً لمصلحة الجميع)!
لو صدر مثل هذا التصريح الغريب من أي قانوني مبتدئ لربما هضمناه على غرابته، ولقبلناه على علاته، إذ لا يعقل أبداً أن لا يدري النائب العام أنه يرأس جهازاً مستقلاً عن السلطة التنفيذية، وأن الاستقلالية التي ينشدها من الحكومة وفرتها له نصوص الوثيقة الدستورية، وقانون النيابة العامة لسنة 2017.
النائب العام ليس تابعاً للحكومة كي يطلب منها أن توفر له استقلاليةً انتهكت في عهده مراراً وتكراراً.
انتهكت يوم قبل النائب العام توجيه رئيس الوزراء له بتكوين عدد من لجان التحقيق.
وانتهكت عندما قبل مولانا الحبر توجيه رئيس السلطة التنفيذية له بالتحقيق في أحداث مليونية (رد الجميل).
وانتهكت عندما قبل النائب العام توجيه رئيس الوزراء له بالسفر إلى مدينة الجنينة للتقصي فى أحداث العنف التي أودت بحياة مئات الأبرياء هناك.
وانتهكت عندما قبل النائب العام للنيابة أن تعمل مع لجنةٍ اعترف قادتها بأنها (سياسية)، وشهد عليها رئيسها بالظلم والتشفي.
وانتهكت عندما آلت سلطات الضبط والإحضار إلى جهات لا علاقة لها بالنيابة، وتم تعذيب أحد المتهمين حتى الموت، مثلما حدث للشهيد بهاء الدين نوري رحمة الله عليه.
وانتهكت عندما وُظفت منصات العدالة للتشفي والانتقام من الخصوم بحسابات سياسية، وعندما تباهى أحد أعضاء لجنة التفكيك بأن التحري معه تم داخل مكتب النائب العام، وأنه لم يمتد إلا لربع ساعة.
وانتهكت عندما تم فصل د. نجوى الماحي، وكيل نيابة الصحافة والمطبوعات لمجرد أنها طبقت القانون، وأصدرت أمراً بالقبض على عضوٍ في لجنة التفكيك، تباهى على الملأ بتمييزه في المعاملة على الآخرين.
وانتهكت عندما تم طرد العشرات من وكلاء النيابة بأمر لجنةٍ سياسيةٍ، وكان من بينهم مدير المكتب التنفيذي للنائب العام نفسه، ورئيس نيابة عامة في إحدى الولايات.
وانتهكت عندما تم تكوين لجنة تحقيق لعدد من وكلاء النيابة بعد مسيرة (جرد الحساب)، وضم المحلس محامية.. وموظفاً في مكتب والي الخرطوم.
لا يحق لمولانا الحبر أن يشكو الظلم طالما أن معتقلات الدولة تزخر بمتهمين انتهكت حقوقهم الدستورية والقانونية، وتم تمديد حبسهم شهوراً عديدة من دون أن يُطلق سراحهم بالضمانة أو يحالوا إلى المحاكم، بتجاوزٍ مزرٍ لقانون الإجراءات الجنائية، الذي يقيد سلطة النيابة في تمديد الحبس، ويربطها بآجال محددة.
في عهد مولانا الحبر تم إغلاق صحف وقنوات فضائية بالتاتشرات والدوشكات، وحدث ذلك قبل صدور قرارات المصادرة، وبقيت استئنافات المتضررين بلا حسم، حتى تراكمت بالآلاف.
في عهد مولانا الحبر أصبح بعض الولاة يتجرأون على توجيه رؤساء النيابة العامة في ولاياتهم لاعتقال مواطنين، وفقاً لبطاقة النادي السياسي الذي ينتمون إليه.
في عهد النائب العام الحالي صودرت مشاريع وعقارات وأسهم شركات بلا قرارات مكتوبة من لجنة تفكيك التمكين، التي يفترض أن لا تحجر على الأموال والممتلكات إلا بإشراف النيابة العامة.
حدث ذلك مع أن مصطلح (مصادرة) لم يرد في أي مادة من مواد قانون التفكيك، الذي تحدث عن الاسترداد.. لا المصادرة، والفارق بين الاثنين كبير وخطير، ومعلوم حتى لطلاب السنة الأولى في كليات القانون.
لا يجوز للنائب العام أن يشبه نفسه بأكرم والبدوي، لأنه ليس مثلهم، ولا يتبع للسلطة التي وظفتهم، لكن التصريح يكشف عن ما يعتمل في نفسيته، ويوضح أنه يعتبر نفسه مجرد موظف في الحكومة، بدليل أنه قدّم تقرير النيابة العامة إلى مجلس السيادة، وطلب من الحكومة أن توفر له استقلاليةً.. كفلها له الدستور والقانون.
تصريح مولانا الحبر مؤسف ومحزن، ويستحق أن نقيم بسببه على النيابة مأتماً وعويلا.

اترك رد