حليم عباس يكتب : حسن الترابي .. الأثر الباقي

السودان

الخرطوم:الرآية نيوز

حسن الترابي .. الأثر الباقي

نظام الإنقاذ هو نظام نظام الغُبُش بإمتياز، قادته و قاعدته من أبناء الغبش، و قد بسط التعليم و المشاركة السياسية لكتلة الغُبُش في السودان.
صحيح أنه لم يكن نظاما مثاليا، و كأي نظام أيديولوجي شمولي قد مارس التمييز على أساس الايديولوجيا، و صحيح أيضا أن علل المجتمع السوداني قد ظهرت داخل النظام، و حدث صراع ذو طابع جهوي و عنصري وصل لمرحلة الإنشقاق، و لكنه صراع بين أبناء الغبش و يُمكن قراءته على أنه مرحلة متقدمة دفع إليها نظام الإنقاذ نفسه (حركات الهامش التي كان أبناءها جزءا من النظام على سبيل المثال)، تقاسم السلطة الذي حدث مع كثير من الحركات المسلحة في حكم البشير، و أخيرا وصول حركات الهامش و اقتلاعها نصيبها من السلطة من “قوى المركز”، و يمكن قراءة حتى صعود مليشيات الدعم السريع بقيادة حميدتي على أنه صعود الغٰبُش إلى قمة هرم السلطة لأول مرة.

طبعا الإنقاذ لم تخطط لكل هذا، و لكنها ساهمت فيه بطبيعة الحال، و بطبيعة تكوينها و توجهها (التوسع في التعليم فيما عُرف بثورة التعليم العالي على سبيل المثال. و الذي ظلت أحزاب المعارضة في الخرطوم تدينه و كأنه خطيئة، بينما تعجز الآن عن استيعاب الطلاب في الجامعات التي أنشأتها الإنقاذ و تعجز حتى عن تشغيلها. هل تريد النخب الخرطومية المتحيزة ضد الغُبُش أن تعيد أوضاع التعليم في السودان إلئ ما قبل ثورة التعليم العالي ؟ كلنا سمعنا تصريح وزيرة التعليم العالي قبل فترة أنهم سيقلصون أعداد القبول بالجامعات، هذا طبعا بسبب تراكم الأعداد، و لكنها طبعا لم تسأل نفسها أين يذهب هؤلاء الطلاب؟ كأنها تقول لبعض طلاب الفئات المسحوقة مكانكم ليس هنا، ابحثوا لكم عن شغلة غير التعليم.
كلنا نتذكر تلك الحجج الغبية التي كانت ترددها معارضة الإنقاذ ضد ثورة التعليم: لماذا هذا التوسع في الجامعات في ظل عدم وجود سوق عمل و فرص عمل! هذا هو أفق المعارضة و التي تحولت إلى سلطة الآن، تفكير كسول بائس لا يرى أبعد من أرجله ).
بوعي من الإنقاذ ، و بغير وعي منها ساهمت بشكل كبير في صعود الغُبُش و تمكينهم. إذا استثنينا حركات الهامش، و التي و إن كانت تعبر عن الغُبُش تحت اسم المهمشين، إلا أنها مع ذلك ظلت ذات طابع جهوي و قبلي لا يمكن مقارنته بقومية و اتساع الحركة الإسلامية، و لذلك فهي الكيان الأكثر تعبيرا عن الغبش كما و نوعا. في الأحزاب الطائفية كان الغبش مجرد مجرد أتباع، مجرد وقود، بينما الأحزاب الحديثة اليسارية كانت و ماتزال تضع نفسها في حرب مع هؤلاء الغبش، بسبب جهلها و مجافاتها لروح و مزاج المجتمع السوداني الذي تغلب عليه المسحة الدينية و المحافظة، و هي بسبب ذلك ترى في الغبش مهددا لها، خصوصا في ظل وجود التيار الإسلامي الأكثر تعبيرا عن هذه الفئة.

كثير من النشطاء قد لاحظوا هذا الواقع، و لكنهم راحوا يسخرون منه بسطحية شديدة كونهم لم يروا في هذه الفئة سوى الأرضية التي يتمدد فيها خصمهم الآيديولوجي المتمثل في الإسلاميين. و بعض النشطاء بالطبع غير أبرياء، و يحملون بوعي أو بدون وعي نظرة استعلائية تجاه كل ما هو محلي و تقليدي و أصيل و أغبش.

حليم عباس

اترك رد