إبراهيم عثمان يكتب : عثمان ميرغني ومديح راكوبة الخريف

السودان

الخرطوم:الرآية نيوز

عثمان ميرغني ومديح راكوبة الخريف

(حمدوك في عطبرة : احتجاجات في الشارع علي الزيارة ٠٠ لكن السؤال الأهم : هل تعرض محتج واحد للقتل أو الإصابة أو بات في المعتقل ؟الديمقراطية : الحكومة تخشي الشعب الديكتاتورية : الشعب يخشي الحكومة) – الصحفي عثمان ميرغني

لعله لا يخفى على الأستاذ عثمان أنه لم تمر على السودان حكومةٌ لا تلقي بالاً للشعب في معاشه وفي ثوابته كهذه الحكومة، فهي الأكثر تجرؤاً على رفع الدعم بصورة قاسية وبطرق احتيالية ودون تمهيد ولا حنى إعلان أحيانا، وهو يعلم أن من يخرجون إلى الشوارع محتجين، غير لجان المقاومة، تلاحقهم •اتهامات• الكوزنة، والأستاذ يعلم ما يعنيه إتهام كهذا وما يتبعه من اعتقالات ومحاكمات، ولعله قد مرَّ عليه منشور الأستاذ علاء الدين الدفينة الذي يوضح كيف تتم الاعتقالات في العهد الذي يشيد بحرياته وديمقراطيته : ( وردتني مكالمة مفادها “عاوزين منك اسماء لمن ترى ضرورة اعتقالهم” – اعتذرت بلطف لمحدثي… )..

هذه الحكومة هي الأكثر تجرؤاً على اقتلاع الصلاحيات ومصادرة اختصاصات الحكومة المنتخبة وتغييب الشعب ( التطبيع والعلمانية أمثلةً )، وكما ذكر البرهان فهذه الحكومة تنوي تحصين صلاحياتها التي اغتصبتها بمبادئ فوق دستورية تكبل الحكومة المنتخبة، ولعله استمع إلى حديث الأستاذة أسماء محمود محمد طه بمنع تسلل ( ناس المساجد والجماهير ) إلى المؤتمر الدستوري حتى لا يشوشوا على المشروع العلماني الذي يجب أن يقره المؤتمر الدستوري !

والمطاعن في الديمقراطية التي ينسبها الأستاذ عثمان للحكومة لا يتسع لها مقال واحد، وأظهرها أنه يعلم علم اليقين أن أحزاب الفكة اليسارية المسيطرة تخشى الإنتخابات وتتحايل لتطويل الفترة الانقالية لذات الأسباب التي عددها المهندس خالد سلك ذات صحوة ضمير قبل التغيير، وهو الضمير الذي نام وصاحبه الآن ينغمس بالكامل في محاولات تحقيق ما كان يعترف بعدم صلته بالديمقراطية .

لعله لا يخفى على الأستاذ عثمان ميرغني أن من أوضح سياسات الحكومة القائمة الكيل بمكيالين فيما يخص الحريات . احتجاجات عطبرة قام بها شبابٌ من لجان المقاومة، أي الحاضنة الشعبية للحكومة، وحتى إن كان بينهم شيوعيون كما أكد كمال كرار، فالحكومة لا تتعامل مع الحزب الشيوعي كمعارضة حقيقية . المعلوم للكافة أن كل احتجاجات لجان المقاومة، مهما كان شكلها، تجد التفهُّم والمعاملة الناعمة، بل ويتم توبيخ الشرطة إن رأت في إحدى تظاهراتهم تفلتات تستدعي التدخل بالبمبان أو بغيره، وقد حدث التدخل بغيره في الجريف وفي غيرها وسقط قتلى وجرحى.. والأستاذ يعلم أن الحكومة ونشطاءها دائماً ما يحرضون الأجهزة النظامية ولجان المقاومة على التعامل بعنف مع تظاهرات المعارضة، ويحدث شئ ذلك وتحدث الإصابات والإعتقالات، ومع ذلك يتهمون الأجهزة النظامية بالتراخي وعدم التعامل بالحزم اللازم .

الحريات الحقيقية تُقاس بالقدر الذي يتمتع به معارضو النظام الحقيقيون، ولا يستطيع الأستاذ عثمان ولا غيره أن يزعموا أن حكومتهم توفر الحريات الكاملة للمعارضة الحقيقية، فكل معارض جدي للنظام يتم تصنيفه ككوز، وكل كوز، كما تقول شعاراتهم، لا يعاملونه إلا بالدوس، وعثمان نفسه لا يسلم من اتهامات الكوزنة عندما ينتقد النظام من وقت لآخر، ولولا ولاءه الأكيد للنظام ومحاولات تجميله التي تمثل أساس السياسة التحريرية “للتيار” الأمر الذي يجعل انتقاداته انتقادات مؤيد مشفق لا معارض مشاغب، لولا ذلك ربما وجد حظه من التنكيل كغيره من الصحفيين الذين تسجنهم لجنة التنكيل من وقت لآخر ، وكالنشطاء أمثال معمر موسى الذي مضى على اعتقاله ما يقارب العام، ولعله استمع لحديث ضابط لجنة التنكيل عبد الله سليمان عن خلفيات اعتقاله .

الأسبوع الماضي قدَّمت الحكومة مثالاً صارخاً للكيل بمكيالين، فقد أصدرت لجنة التنكيل بياناً نارياً مليئاً بالإدعاءات الكاذبة عن الإرهاب والتخطيط للتخريب بما يذكِّر ببيانات نظامي البعث في العراق وسوريا ضد المعارضين. ولا أدري إن كان الأستاذ عثمان قد تناول ردة فعل اللجنة في أحد مقالاته أم لا . ولعله يتذكر أن ذات الولاية التي يتحدث عن مظهر من مظاهر “ديمقراطيتها” كانت قد شهدت محاصرة افطار جماعي لكبار سن اعتادوا منذ سنوات طويلة أن يصوموا الإثنين والخميس وأن يكون لهم إفطار جماعي مرة كل شهر في دار لتحفيظ القرآن الكريم، ولعله يتذكر ما حدث لهم من إهانات بواسطة اللجان المدللة ومن اقتياد إلى الشرطة ومبيت هناك وبلاغات واطلاق سراح بالضمانة.. وهو يعلم أنه لم تحدث أي مساءلة للشباب الذين أخذوا القانون بأيديهم وأعطوا أنفسهم سلطة الاعتقال والإهانة، فكيف للحكومة أن تتعامل بعنف مع هؤلاء المدللين، وكيف غاب عنه أن تدليل الأمس هو استمرار، مع الكراهة، لتدليلهم عند اعتقالهم للشيوخ وإذلالهم وإهانتهم واقتيادهم إلى الشرطة ؟!

الولاية التي حدثت فيها الواقعة التي اجتهد الأستاذ عثمان ليخرج منها بحسنة للنظام تديرها والية من أكثر الولاة دكتاتورية في تاريخ السودان، والأدلة على ذلك لا يسهل حصرها، لعل أظهرها أنها تنتمي لحزب من الصغر بحيث لا يعلم الكثيرون حتى اسمه، فهي كما يقال تتبع للتجمع الاتحادي، وربما الأستاذ عثمان نفسه لا يعلم إلى أي أحزابه الثمانية تنتمي، وإن كان يعلم فليحدث الناس عن شعبية هذا الحزب التي تؤهلها للفوز بمقعد الوالي بالديمقراطية.. ولعله لا زال ينذكر حديثها عن الفصل الجماعي لأي “شريف رضي ” صلاي صوام أمين صادق نال وظيفته عن جدارة ما دام له انتماء سياسي لا يروق لها ..

إبراهيم عثمان

اترك رد