إبراهيم عثمان يكتب : حميدتي بين الشلاقة و”الشلَّاقي” !

السودان

الخرطوم:الرآية نيوز

إبراهيم عثمان يكتب :

حميدتي بين الشلاقة و”الشلَّاقي” !

( طلعونا فريق خلا.. ذنبنا شنو ؟ ذنبنا الكرسي الواحد دا القعدنا فوقو .. الكرسي دا ممنوع، الكرسي نمرة اتنين دا ممنوع عشان نبقى واضحين .. أنا العملت التغيير .. أنا بقيت عدو الشعب .. لأني أنا مكاني وين .. طوالي أكون برة أقابل ناس مني لما يجوا راجعين بكرة .. ما استقبلهم زي استقبالنا دا .. لا .. نتقاتل في وادي هور ونتقاتل في هناك قدام ونتقاتل في وين .. دا المطلوب مني .. دا دوري أنا .. لكن يا جماعة أهلنا قالوا “الشلاقي ما خلا عميان” .. ما بنغلط تاني والله ) – حميدتي متحدثاً عن مساهمة الدعم السريع في حماية الحدود من هجمات حركات التمرد .

هذه ملاحظات عامة على شخصية حميدتي أزعم أن الأدلة على دقتها كثيرة :

▪️ لا يمتلك مهارات الساسة الذين يستطيعون الدفاع عن مواقفهم الحالية دون تشويه تاريخهم ودون اعتباره خطأ لن يقعوا فيه مرةً أخرى، خاصةً إذا كانت مكانتهم قد صُنِعت أساساً بهذا التاريخ .. بم استحق حميدتي رتبته ومكانته ونفوذه ؟ هل كان ذلك بشئ آخر غير مساهمته في حماية الحدود ؟ وهي المساهمة التي يعتبرها الآن خطأً لن يتكرر !

▪️ لا أظن أن هنالك استهانة برتبة حميدتي وتقليل منها كالذي فعله هو في تصريحه أعلاه، فإذا كانت مساهمة الدعم السريع في حماية الحدود كانت في نظره مجرد قتال خاطئ في “الخلا” يعد بعدم تكراره، فإن هذا الخطأ يجب أن ينسحب بالضرورة على رتبته التي نالها بذلك القتال! فهي بقوله هذا، لا بغيره، رتبة خلا ناتجة عن خطأ القتال في الخلا الذي يعمل على تصحيحه الآن ! وأولى مطلوبات التصحيح إلغاء هذه الرتبة غير المستحقة .. يبدو أن “الشلَّاقي” الذي “فتَّح” عيون حميدتي على مكان “السمينة” نسي أن يفتح بصيرته على أن إطلاقه الرصاص على ماضيه بهذه الطريقة يمثل أيضاً إطلاقاً للرصاص على رتبته ومكانته !

▪️ ذات الشئ ينطبق على تأكيده لشرعية قواته بأنها مستمدة من قانون سنه برلمان منتخب، وهو الذي يفتخر الآن بأنه صاحب الدور الأكبر في إبطال شرعية ذلك البرلمان ! فليس هناك طعن في شرعية قواته أقوى من الطعن في النظام الذي أسسها والبرلمان الذي سن قانونها، والإعتراف بأن ذلك البرلمان كان منتخباً سيُنظَر إليه كإعتراف غايته الوحيدة هي خدمة مصالح حميدتي والصعود على ظهر البرلمان ثم إعدامه بعد انتهاء مهمته الوحيدة التي يرى ضرورة استمرارها كمصدر للشرعية !

▪️ أيضاً لا أظن أن هناك إثبات للوضع الشاذ للدعم السريع أكثر من حديث حميدتي هذا ، فهو يتحدث عنه كقوات خاصة به، وكحركة من ضمن الحركات، وبدلاً من أن تنفذ الخطط الدفاعية التي تراها قيادة الجيش الذي تزعم بأنها جزء منه، وتساهم في حماية الحدود، وهو ما كانت تقوم به قبل عملية “الشلَّاقي”، بدلاً من هذا، يعد ألا تقوم بذلك مرة أخرى، وأن تكتفي بحراسه مقعده الحالي، وربما الآتي، في الخرطوم !

▪️ يجعل الكثيرين، حتى من حلفائه الحاليين، يضحكون “سراً” عندما يسمعونه وهو يتحدث عن مظالمه من عهد الإنقاذ، وكيف أنه اختصر دوره في قتال الحركات “في الخلا”، وهو النظام الذي ذهب وتركه وهو الفريق الأصغر سناً، والأسرع ترقيات على الإطلاق، والأغنى، والأكبر نفوذاً، والممكَّن تمكيناً عصياً على التفكيك، وهو التمكين الذي مكنه من فرض نفسه كأحد أعمدة النظام القائم، وصنع نفوذه الحالي، ويستند عليه لتحقيق نفوذه القادم .

▪️ كثير الإنتقادات لغيره بقسوة شديدة ، شديد الحساسية من الإنتقادات ضده مهما كانت باهتة. والتحالفات معه هشة وتخللها المشاكل والظنون السيئة. والملاحظ أن أغلبية القادة يتجنبون المبادرة بالهجوم عليه، وحتى الرد على هجماته، فلطالما هاجم الإنقاذ وقادتها، ولم يرد عليه أحد من القادة، ولطالما أغلظ في القول في حق قحت وفشلها ولم يجد رداً مكافئاً من قائد مكافئ، ولطالما عرَّض ببعض زملائه بالمكون العسكري فامتنعوا عن الرد المباشر، ولطالما هاجم اللجنة الأمنية ورجالها فصمتوا.. فهو مدين لهؤلاء جميعاً بعدم الهجوم أو الرد، ومع ذلك يصوِّر نفسه مظلوماً وضحيةً لهم جميعاً !

▪️ لا يتحالف مع الرجال إلا ليقفز فوق ظهورهم، وبعد ذلك يتخلص منهم إذا تهيأت الظروف واحتاجت القفزة الأكبر إلى رجال آخرين . نال رتبته الرفيعة ومكانته بدعم البشير، وبقتاله مع الإنقاذ ضد حركات التمرد، ثم انقلب على الإنقاذ، وأصبح للبشير حصته الثابتة من الإنتقادات الحادة كلما اعتلى منبراً. ثم نال المقعد الثاني بدعم اللجنة الأمنية التي يتهمها الآن بأنها كانت تحرس النظام وتنوي فض الاعتصام.. ونال رئاسة وفود التفاوض مع الحركات ورئاسة اللجنة الاقتصادية ونفوذاً أكبر في اتخاذ القرار بدعم من قحت التي يتهم الآن بعض أطرافها بالكيد له، وهو يرى الآن بأنه يستحق نفوذاً أكبر وأدوم بتحالفه مع الحركات . ولا أحد يستطيع أن يتوقع شكل استحقاقه القادم والرجال الذين سيمتطي ظهورهم لتحقيقها .

▪️لا يبدو عليه الإيمان بأي فكرة أو توجه أو قضية، فإيمانه بأي منها بلا غد، كانت قضيته التي صنعت مجده هي حماية البلاد من هجمات المتمردين، ثم أصبحت هي، بالتعاون مع اللجنة الأمنية، حماية الشعب والمتمردين من الإنقاذ، ثم تحولت إلى حماية “الثوار” من اللجنة الأمنية، ومن وقت لآخر يذكر الناس بحمايته لنظام قحت من الإنقلابات، ولا ينسى في أثناء ذلك أن يلوِّح بأنه المنقذ المتوقع للشعب من فشل قحت، وأخيراً أصبحت قضيته المركزية هي نفسها قضية حركات التمرد، وأصبح يردد خطاب “المظالم التاريخية” كأي متمرد شديد الإيمان بهذه القضية، وفي أثناء ذلك انتقل برشاقة من خطاب ( الناس ديل تخلوا عن الإسلام ودايرين العلمانية، وتبعوا الخواجات، ودربوهم الخواجات) إلى خطاب جديد يتبنى العلمانية ويسترضي الخواجات .

▪️ في الأيام الأولى للتغيير كتبت عن أن ما حدث يشير إلى أن البشير لم ينتبه إلى أن الدعم السريع بتركيبته وطبيعة الولاء فيه لا يختلف كثيراً عن الحركات المسلحة الأخرى، إذ لا توجد فروقات تذكر سوى أنه يتحصل على التمويل والتدريب وكل التسهيلات من الدولة، وأن البشير لم ينتبه إلى أن هذا الوضع سيحتم أن يكون لقائد الدعم السريع طموحاته السياسية التي قد يتمرد إذا لم يحصل عليها . فحميدتي يرى قادة الحركات يتفاوضون على المواقع القيادية في الدولة رغم أن حركاتهم أصغر من حركته . وحديث حميدتي بالأمس قدَّم إثباتاً قوياً لما قلته، فهو يتحدث كقائد حركة مسلحة يستحق أرفع المناصب، ويكرر خطاب قادة الحركات ذي النفس الجهوي، ويقدم تفسيراً عنصرياً لحملة بعض أطراف قحت عليه، رغم علمه التام بطبيعة الحملة .

إبراهيم عثمان

اترك رد