إبراهيم عثمان يكتب : بين رشيد الجزائري ورشيد السوداني !

السودان

الخرطوم:الرآية نيوز

إبراهيم عثمان يكتب :
بين رشيد الجزائري ورشيد السوداني !

الروائي الجزائري رشيد بوجدرة، شيوعي. علماني مجاهر بإلحاده، لكنه مع ذلك رفض وزارة الثقافة التي رُشِّح لها أكثر من مرة لأنه، كما يقول، غير مؤمن وله تصور معين لما يجب أن تكون عليه الثقافة، ولا يستطيع منافقة السائد من موقعه كوزير ليضطر إلى أخذ الناس بالحيلة والتدرج ، وفي ذات الوقت لا يقبل فرض وجهة نظره على مجتمع مسلم .نعم حرم رشيد نفسه من خير الإيمان لكنه حاول ألا يورطها في شر النفاق، فاختار المجاهرة، ليختاره من يختاره للمناصب على بينة، وليعتزض هو إن اختير لموقع ذي ارتباط بعقيدة المسلمين وثقافتهم. وليقدِّم مرافعة قوية شديدة الإقناع ضد مقولة “لا يهمني إن حكمني ملحد أو مؤمن، تهمني الكفاءة”.. سئل بوجدرة : هل كان من اختاروك لوزارة الثقافة في المرتين يعلمون بإلحادك ؟ فكانت إجابته بما ملخصه: نعم، فأنا لا أخفي ذلك، ولعلهم اختاروني لهذا السبب، ولهذا تشددت في الرفض .

في السودان، وعلى عكس رشيد الجزائري، يحاول رشيد سعيد أن يفرض كل رؤاه على مجتمع يعلم علم اليقين بأنها لا تمثله، وعمدته في ذلك عدم إظهار قناعاته كاملة، فعدا عن إشارته اليتيمة قبل التغيير لنوع الدولة التي يريدها، لم تُسجَّل له أحاديث عن العلمانية، بل ربما لم ترد هذه الكلمة على لسانه إطلاقاً في أي حديث عام، رغم إنها مشروعه، ورغم إن رؤاه المتطرفة بخصوصها هي التي حملته إلى موقعه الحالي، ينطبق ذات الشئ على مفرح، والقراي، ومحمد الأمين التوم، وعبد البارئ، وغيرهم من الذين تم اختيارهم بعناية، كلٌ في الموقع الذي يحقق فيه أكبر قدر من المعاكسة للمجتمع ووجدانه وسوقه إلى مكان آخر ، على أن يزاوجوا بين أسلوبي الصدمة والتدرج، نعم ليس فيهم من نستطيع الجزم بأنه ملحد لكن الأكيد أن تصورهم لما يجب أن تكون عليه الأمور فيما يتولونه من مواقع لا يبتعد كثيراً عما يؤمن به بوجدرة وتمنعه مبدأيته من فرضه على الناس.

المثال الآخر المعاكس الصارخ لنموذج بوجدرة الجزائري يمثله عبد العزيز الحلو، فهو لم يعلن إلحاده حتى الآن، ويُفترَض أنه مسلم، لكنه مع ذلك يرى بأن العلمانيين الذين سبقوه إلى المواقع الحساسة لم يحققوا الدوس المطلوب لثقافة المسلمين وعاداتهم، فأصبح يزايد عليهم ويحاول ملء فراغات المشروع العلماني التي تجنب من سبقوه ملأها في إطار سياسة منافقة السائد شديد الحساسية وتجنب الاستفزاز الشديد للمجتمع.

أيضاً لا يستطيع الحزب الشيوعي السوداني أن ينفي أن من بين كوادره ملحدين، وهناك غير الشيوعي أحزاب وحركات أخرى غير حركة الحلو لا تخلو من ملحدين، لكن لأنهم جميعاً، مؤمنهم وملحدهم، يطمعون في المناصب، فإنهم يتجنبون المجاهرة، لينالوا مناصبَ رصفوا طريقهم إليها بالنفاق، ولن يستمروا فيها إلا بالمزيد منه .

إبراهيم عثمان

اترك رد