إبراهيم عثمان يكتب : دفاعاً عن الحلو

السودان

الخرطوم:الرآية نيوز

إبراهيم عثمان يكتب :

دفاعاً عن الحلو

واضح وصريح، لا يجامل ولا يداري، ولا يقف خلف السواتر . التقية ليست منهجه، والدغمسة ليست طريقته . إخلاصه للعلمانية لا يخالطه خداع، ولا تشوش عليه سواقة بالخلا . يرى الخلاص الحقيقي فيها، ولا يؤمن بأنها قبيحة حتى تُطبَّق بالحيلة . يقدِّمها كما هي بكل جمالها الذي يراه المؤمنون بها، لكنه يفوقهم بقوة الاستعداد للمواجهة . هي عنده، جميلة بذاتها لا بالمساحيق، قوية بموقفها الجذري من الإسلام لا بمنافقته، ولا تحتاج لأنصاف المواقف ولا أرباعها كرشوة للشعب أو كخديعة له . لا يقتنع بالتوفيق المنافق ولا التلفيق المخادع، ولا الترقيع المشوِّه ..
يضع العلمانية عنواناً للأقوال وللأفعال، ولا يؤمن بمنهج من يؤمنون بأن الأقوال أكثر فضحاً من الأفعال، لتعاف ألسنتهم سيرتها، ولتكون موضع الاهتمام الرئيسي في الأفعال . إن وقفت شجاعة الآخرين عند سيداو وإباحة العرى وتقنين الردة والإلحاد، وتغليظ عقوبة من يزعجون المرتدين والملحدين بدليل بطلان أو بحجة هداية، فهو سيرى الجبن كله متجسداً في الجمع بين الربا ونقيضه، وبين منع الخمور والسماح بها، مع الاكتفاء في حالة الدعارة بإعادة التعريف وتخفيف للعقوبة، وفي المثلية بتخفيف العقوبة، وفي قانون الأحوال الشخصية للمسلمين الذي أخذ وقتاً طويلاً من اللجنة العلمانية، التي ما أخرها عن إنجازه إلا المواءمات الصعبة، إن لم تكن المستحيلة، وخوف المواجهة .. يرى في التراجع التكتيكي عن مناهج القراي انتكاسةً وردة لن يكفرها إلا تغيير للمناهج أكثر جذرية
يوقن بأن الحاكمين يؤمنون به وتعجزهم عنه المسايرات للسائد الديني التي تترجم عنده إلى نفاق خام .. استقامته الأخلاقية لا تستسيغ جيوباً إسلامية باقية في القوانين، ولا تسمح له بالقبول بالمرافعات التي تستند على حجة شديدة البؤس من شاكلة: ما عجزنا عنه في التشريع خجلاً سنعالجه في التطبيق تغاضياً، وبعض الحرام الديني الذي أبقينا على تحريمه في القانون، عن غير قناعة، سيتكفل عدم القناعة بجعل تحريمه حبراً على ورق. فالخطة هي ألا نحمل الناس على الحق العلماني جملةً فيرفضوه جملةً .. لا يكذب ولا يتجمل، فهو، تماماً كالدكتور حيدر إبراهيم علي، يؤمن بأن في “العلمانية الشعبية” و”الإلحاد الشعبي” ما يجعل التدرج تكلفاً لا مسوِّغ له، وتحايلاً يخدش النقاء العلماني .. ولهذا أصبح عنوان التفاوض بينه وبين الوفد العلماني الحكومي ليس العلمانية بل الطريقة المثلى لتطبيقها، يترافع عنها فيؤيدون، يطالب بتطبيقها كاملةً وفوراً، فيؤمِّنون مع التحفظ على الفورية فيما يخص البنود شديدة الحساسية كثيرة الفضح .. يريدها كاسحةً ماسحةً تأتي على ما أبقاه أتاتورك الصغير من مظاهر تأثير الإسلام على الشأن العام، فيجادلونه بأن ذلك لن يقبله إلا العلمانيون الأصليون، وأنه سيزيل الماكياج ويبطل مفعول الأعلاف عند القطيع الجاهل الذي تعتمد الحكومة بالكامل على استغفاله، فيراها حجة العاجزين الذين في إيمانهم دخن وفي عزيمتهم وهن.. فقد كان له في كاودا تجربةً كاملة حصرت الإسلام في العبادات لمن لا زالوا يتمسكون بها رغم مشوار العلمنة الطويل، تجربة لم تحتاج إلى تدرج ولم تكلفه أعلافا، وتعميمها على السودان كله يحتاج فقط إلى قرار ستحرسه البنادق وتُهم الإرهاب التي يقول الدكتور الواضح الصريح محمد جلال هاشم إنها يجب أن تْوجَّه إلى الممانعين الذين يعوقون قرارات الدولة العلمانية، وستحرسه المبادئ فوق الدستورية من خطر صناديق الانتخابات، وسيحرسه، فوق ذلك كله، المصير المظلم في حالة الممانعة: ( ما لم يتم تفكيك الدولة الدينية حنفكك السودان دا طوبة طوبة ولن تقوم له قائمة).

إبراهيم عثمان

اترك رد