إبراهيم عثمان يكتب : الثغر بين التخريب والاصلاح

السودان

الخرطوم:الرآية نيوز

إبراهيم عثمان يكتب :

الثغر بين التخريب والاصلاح

كان الناس من داخل السودان وخارجه يقصدون بورتسودان، كانوا من كل الفئات : من المستثمرين، والباحثين عن العمل، والطلاب الذين يدرسون في جامعتها وكلياتها، والتجار، والسياح ، وأهل الفنون، وغيرهم.. كانت تستقبلهم كأحسن ما يكون الاستقبال بالأمن والطمأنينة، وبنسيجها الاجتماعي المنسجم الذي يتقاسم مجهودات تطوير المدينة، ويقيم مهرجانات السياحة والتسوق، ويتنافس في الفن والإبداع ، ويجمعه المسرح والمطعم والجامعة والاستاد والنادي والكورنيش فلا تعكر اجتماعه لوثة جاهلية قبلية، أو نزعة تهتك “حداثية” .

كانت أندية المدينة عامرة، وموانئها تزدحم بحركة الصادر والوارد، وتجارتها مزدهرة، وسكانها بمختلف قبائلهم وأحزابهم وثقافاتهم كانوا يفتخرون بمدينتهم التي كانت تمضي بسرعة لتستحق اسمها كثغر باسم للسودان، وكعروس للبحر الأحمر تضج بالحياة وحركة مواطنيها بين أحيائها وأنديتها ومطاعمها وكورنيشاتها، وحركة القادمين إليها العامرين لفنادقها وشققها، والزائرين لأهلهم .. كان هذا هو الحال عندما وجدت المدينة نصيبها من “خراب الثلاثين عاماً” في الصحة والتعليم والطرق والكهرباء والمياه والأمن والسياحة .. إلخ

الآن في ظل نظام “المؤسس”، وجدت المدينة نصيبها من التأسيس كسائر المدن : تخربت الشوارع، وقلت النظافة، وعم الغلاء، وتدهورت الخدمات من صحة وتعليم وكهرباء ومياه وغيرها .. والميناء يحتضر، ودولار “التدليل” الجمركي للمواطنين أصبح في خبر كان، والكورنيش الذي ورثته عامراً، أصبح من بين عمّاره ( وليس كلهم، ولا معظمهم بالطبع) ، في فترات الهدنة بين نوبات الجنون القبلي، قلة من الكاسيات العاريات، والقلة من المتعاطين للمسكرات جهراً أو شبه جهر. وشُكِّلت لجان التفكيك التي لا تستثني كل من أسهم بسهم كبير في خراب الثلاثين عاماً المذكورة بعض جوانبه في صدر المقال.

ثم وجدت المدينة، فوق ذلك، نصيبها الخاص في التأسيس إسوة ببعض المدن : تحاربت بعض مكوناتها الاجتماعية، فضاع الأمن في الشوارع والبيوت والنوادي وعم الخوف، وأصبحت الحركة بين أحيائها، ومن خارجها، عسيرة بفضل انعدام الأمن، والحروب بين بعض الأحياء، ثم بفضل فلسفة المؤسس الاقتصادية القائمة على جعل قرار التحرك، من مكان إلى آخر داخل المدن أو بينها، قراراً مصيرياً له أثره الكبير على الجيوب، ويستحق دراسة جدوى قبل المغامرة باتخاذه.

أصبحت المدينة طاردة للزوار، والقلة ممن يجرون دراسة الجدوى وتتوفر لهم الأموال ويقررون زيارة المدينة يفعلون ذلك إما لغرض العزاء في الموتى بالحروب القبلية، والحروب بين الأحياء، أو الموتى بالأمراض التي أصبحت مميتة بفضل ما حدث من اصلاح للمنظومة الصحية، أو للاصطفاف مع مكونهم القبلي وأخذ الثأر، أو لمساعي الصلح التي تنجح أحياناً وسرعان ما تتعثر . يحدث كل هذا، وأكثر منه، والحكومة لا يعنيها من الأمر إلا أن تثبت أن شماعتها الأثيرة الممثلة في الدولة العميقة تصلح للعمل في بورتسودان أيضاًً !!

تباً للزيف ..
تباً للعالف والمعلوف

إبراهيم عثمان

اترك رد