د.خالد أحمد الحاج يكتب : من النقد للتحليل

السودان

الخرطوم : الرآية نيوز

تحبير
د.خالد أحمد الحاج
من النقد للتحليل

الحديث عن صحافة الرأي ، وإلى أي مدى يمكن أن نقول عنها إنها صحافة ناقدة ، أو قائمة على التحليل ، يطول شرحه ، ويحتاج بحسب ما أرى إلى تناول كثيف ومعمق ؟
بعض المدارس الصحفية ترى أن النقد والتحليل وجهان لعملة واحدة ، بل تؤكد على أنهما قريبين من بعضهما البعض ، باعتبار أنهما يدرسان الظواهر ، والأحداث ، والوقائع بتقارب مفاهيمي ، ويعملان أدوات النقد والتحليل على السواء في المحتوى ، لتعميق المعنى ، وتبسيط المفاهيم ، ليسهل على الجمهور استيعاب المادة التحريرية .
والمدارس الأخرى لها رأي مختلف ، إذ أنها تركز على سمات كل على حده ، وترى أن مقاصد النقد الغرض منها تقويمي لأي إعوجاج يراه الصحفي ، ومعالجة لقصور ما ، بغرض التنبيه لخطورته على البيئة المتأثرة به ، والكيان المعني بمؤداه ، فيما التحليل تشخيص للمحتوى بدراسة أبعاده ، وتقييمه ، والتعرف على اتجاهاته ، والميول التي رسخ لها .
وإن كان الرأي تعبيراً شخصياً عن ظاهرة ، أو حدث، قد يكون موضوعيا، ومقنعا، وقد لا يكون ، فهو في نهاية المطاف رأي .
التحليل خطوة متقدمة بغرض دراسة الظواهر ، ووضع المتلقي أمام أبعادها ، وما ترمي له ، ومساعدة هذا المتلقي قدر الإمكان على تبني الفكرة التي جرى تحليلها ، أو تشخيص ما اعتنت به ، بغرض إقناعه بصوابها .
إن غابت الحرية عن سماء الإعلام بصورة عامة ، والصحافة بصورة خاصة ، تقزم الرأي ، وفقد التحليل أهم أعمدته .
ولكي ما تكتمل أركان التحليل الصحفي ، وتتعمق قيمة النقد ، يلزم أن أن تكون الموضوعية عمادا للعمل الصحفي ، وحجر زاويته .
الصحافة أخلاقيات راسخة ، وتبني تورثه أجيال هذه المهنة العتيدة لبعضها البعض ، باعتباره تاج وقارها ، وعصاها التي تتوكأ عليها ، وتهش بها معيقات تقدمها، والتزام بشرفها كسلطة رابعة ، لا تزدهر إن كبتت ، ووضعت في طريقها القيود .
لن تعود الصحافة لسابق عهدها إن لم يضع القائمون على أمرها في الحسبان مراجعة حاضرها ، وترجمة ما وقف عليه العلم ليكون واقعاً معيشا تستند عليه .
الضعف الذي عليه مؤسساتنا الصحفية اليوم هو الذي أقعد بالصحافة ، وحد من انتشارها ، وتبنيها للوعي الذي أراد له مؤسسوها الأوائل أن يكون ترجمانها ، وتكريس مبادئ الحرية التي أمنت على سلطتها .
بالتحليل الموضوعي الخالي من تضخيم الذات ، والنقد البناء يمكننا أن نؤسس للمبادئ الفاضلة التي تدعم رسوخ الكلمة المكتوبة ، وتجعل من الصحفيين منورين يستفاد من رؤاهم .

اترك رد