إبراهيم عثمان يكتب : هل يستطيع التابع أن يبني بلداً ؟

السودان

الخرطوم : الرآية نيوز

إبراهيم عثمان يكتب :

هل يستطيع التابع أن يبني بلداً ؟

أقتبست هذا العنوان من بحث شهير للرائدة في دراسات ما بعد الاستعمار وما يُعرَف بدراسات التابع، الأمريكية من أصول هندية “غاياتري سبيفاك”، البحث بعنوان ” هل يستطيع التابع أن يتكلم؟ “، ويناقش إمكانية أن يتمكن التابع من الحديث، وإسماع صوته، فالشعوب المستعمرة سُلِب منها حق تمثيل نفسها، وحق الكلام والانتماء إلى السياق الثقافي الأصلي المعبر عن هويتها، بسبب تأثيرات التبعية الخارجية الاستعمارية، وأيضاً بسبب التبعية الداخلية الناتجة من هيمنة النخبة التابعة للمستعمر، وتغييبها لصوت الشعوب بحديثها بالنيابة عنها بما يرضي المستعمر ..

نواجه في السودان في هذه المرحلة سؤال إمكانية بناء بلادنا عبر إعادة التأثيرات الاستعمارية التي كنا قد قطعنا أشواطاً كبيرة في الانعتاق منها، سواء لناحية استقلال القرار السياسي والاقتصادي، أو لناحية الانتماء إلى السياق الثقافي الأصلي . وقد أصبحت بلادنا رهينة سلسلة من التبعيات المركبة، فالسياسات الرئيسية تُصنَع ليس بعيداً عن مطبخ الحاضنة السياسية فحسب، بل وبالمخالفة لمبادئها وأفكارها التي لا تخلو هي بدورها من تبعية، الأمر الذي يجعل تبعية هذا النظام للخارج كاملة، ذلك لوجود بذرة تبعية في البرامج الأصلية للأحزاب الحاكمة سمحت لها بالتعايش مع برامج وسياسات أكثر تبعيةً، ولوجود مكون لا يتم تسميته ككيان منفصل له الدور الحاسم في تنفيذ القرارات الكبرى التي تأتيه جاهزة.. هذا المكون يمثله مكتب حمدوك بموظفيه الذين يُختارون بعناية حسب قابليتهم للتبعية، وكما يبدو هناك امتدادات لهذا المكون خارج مكتب حمدوك وسط الوزراء وقادة بعض الأحزاب .

الأستاذ ياسر عرمان يمثل حالة ذات خصوصية بما يحمله من تبعية أخرى لحركته الأم في الحنوب، وبما حصل عليه من موقع كبير التأثير، وبسبب الظروف التي صعد فيها ، فقد صعد في الوقت الذي تشظى فيه الفرع الشمالي للحركة الشعبية الجنوبية إلى أربع حركات، وفي الوقت الذي تتسابق فيه الحركات الأربع على نيل الاعتراف الجنوبي بها كفرع شرعي وحيد مستحق للدعم والرعاية الجنوبية، وفي الوقت الذي أثبت عرمان أنه رجل خلافي لا يهنأ برفقته طويلاً رفيق متساير ولا يسلم من كيده آخر متفلت، وفي الوقت الذي تقترب فيه الحكومة من اكتمال زينتها الرأسمالية النيولبرالية الرثة التي تأخذ من الغرب أسوأ ما عنده، ليشارك الرفاق اليساريين في السلطة بأشخاصهم وتغيب برامجهم ويكتفون بالتحفظات الباهتة على السياسات الرئيسية للنظام، وينتظرون، مع حمدوك وشلته من بقايا اليسار المتأمرك، ثمرات هذه السياسات، ويبشرون الناس باقتراب أوانها، ويهنأون بالحكم الطويل بلا انتخابات، في هذا الوقت صعد عرمان إلى الموقع التنفيذي الأول …

صعد وهو المتعود على أن يكون ظلاً للزعيم، لكن هذه المرة لا زعامة هناك ولا زعيم، وإنما موظف متواضع القدرات السياسية أو معدومها قادته الصدفة إلى منصب رئيس الوزراء، وكتب عنه الكاتب عثمان ميرغني القريب من دوائر الحكم ذات مرة مقالاً بعنوان (هنالك منصب رئيس وزراء شاغر) .. موظف باهت الطلة، لا يجيد صناعة سياسة ولا تنفيذها ولا حتى الحديث عنها .. لا يحسن ارتجالاً ولا تلاوةً للمكتوب له .. تعود أن يفكر له الآخرون لينفذ تفاصيل السياسات المقررة في الخارج، أو يقرر في المتروك للجانب السوداني من الهامشي الذي لا يؤثر على المتن، والذي يوفر مكياج سيادة واستقلال قرار ..

صعد عرمان إلى هذا الموقع الذي يجعله صاحب القرار الأول فيما تُرِك للسودانيين، صعد محمولاً بعدة روافع منها : رضا الخارج، خاصةً ذلك الذي يدفع الرواتب الدولارية لمكتب حمدوك، فهذا الخارج وغيره يعلم عن الرجل قدرته على المزاوجة والمصالحة بين خطابات اليسار في شكلها التقليدي السلفي العتيق، والاستفادة الانتهازية من سياسات الامبريالية.. اضافة إلى ما اعتاد عليه حمدوك من تفضيل لزملائه الشيوعيين المتأمركين لطاقم مكتبه، وثالثها حالة الضعف السياسي والخواء العام التي تقدمه على أقرانه بقانون “الطشاش في بلد العمى شوف”.

قاد التابعون للغرب البلاد إلى الخراب طوال سنتين من الفوضى والتخبط وانعدام الخبرة، فهل ينقذها صاحب التبعيات المتعددة، للغرب الرأسمالي، وللشيوعية الهالكة، ولدولة الحنوب ، والساعي بقوة لأن يكون متبوعاً، ليس فقط من أبناء المناطق التي كان يتطفل على “قضاياها” ويسترزق سياسياً ومادياً، وإنما من أبناء السودان كله ، هل ينقذها بعد أن وصل – عملياً – إلى موقع رئيس الوزراء ؟

إبراهيم عثمان

اترك رد