إبراهيم عثمان يكتب : الدولة العميقة كجذر للمشكلات (١-٢)

السودان

الخرطوم : الرآية نيوز

إبراهيم عثمان يكتب :

الدولة العميقة كجذر للمشكلات (١-٢)

منذ مجئ النظام الجديد وتكاثر المشاكل وتفاقمها ظل أنصاره يؤكدون أن جذر كل المشاكل هو النظام “البائد”/ الحاضر بقوة تفوق قوة الحكومة ! ومع ذلك ظلت الحكومة تتحاشى “مخاطبة” جذور المشكلة هذه، أعني إنها ظلت تكتفي بجعلها موضوعاً “للمخاطبات” السياسية كشماعة كبيرة يسهل تعليق أي فشل عليها، ولم تتخذ أي إجراءات كبيرة ضد أنصار النظام السابق، فيما يخص التعويق والتخريب، تتناسب مع حجم الاتهامات ..

إلى ما قبل بيان مجلس الوزراء الأخير كان الظن أن الحكومة ستبذل مجهودات كبيرة للتعامل مع مشكلة عصابات النيقرز، وكل مظاهر لانفلات الأمني الأخرى، بعد وصولها إلى مستوى خطر جداً، بمخاطبة الجذور الحقيقية للمشاكل الأمنية التي يتداخل فيها الاجتماعي والاقتصادي والأمني، وإلى حدٍ ما السياسي الذي يخص أداء الحكومة. وقد ظلت المشكلة تتفاقم مع تزايد التردي في هذه المجالات، لكن للأسف أتى بيان مجلس الوزراء مخيباً للآمال، لأنه تغافل عمداً عن كل المسببات، ورد المشكلة بكاملها إلى الجذر السياسي وبالطريقة التي تستهويه، أي التي لا تدخل العامل السياسي الذي يخصه والذي صنع مشكلات أمنية على خلفية أخطاء صاحبت تعيين بعض الولاة كوالي كسلا المقال، وعلى خلفية اتفاق جوبا وتضرر بعض الأطراف منه، وما جلبه من قوات إلى الخرطوم حدثت من بعضها تفلتات متنوعة لعل آخرها ما حدث في سوبا . .

لكن مع ذلك يبقى الأمل في حل أمني في البداية كاحتياج عاجل للجميع، فالكيزان لا يعيشون في كوكب آخر ليسلموا وتسلم أسرهم من هجمات النيقرز، والانفلاتات الأمنية عامةً كما تفترض الفرية الحكومية .. الحكومة على إسرافها في استخدام الشماعة، لا تتصرف دائماً وفق أقوالها المخصصة للاستهلاك القطيعي، وتلجأ إلى معالجات أخرى . حدث هذا في كل المشاكل والأزمات الاقتصادية . نعم الحلول كانت قاسية وغير سديدة وتصنع المعاناة وتفاقمها ، لكنها تبقى حلول اقتصادية لا تقوم على نظرية الشماعة… فعلت ذلك في أزمة الخبز، برفع أسعاره لا بحراسة (الكوش/ مكبات القمامة) والقبض على من يرمون العجين . وفعلت ذلك بمضاعفة أسعار الوقود أكثر من خمسين ضعفاً لا بحشد القوات في شاطئ النيل وفي الصحراء للقبض على من يصبون الوقود . وفعلت ذلك بزيادة تعرفة المواصلات وتقسيم الخطوط لا بترصد الراشين الذين يدفعون لأصحاب المركبات .. إلخ.

من يقرأ بيان مجلس الوزراء المخصص بالكامل للشماعة سيغلب على ظنه أن الحكومة ستحتاج بشدة، هذه المرة، إلى جانب الحل الذي يخاطب الجذر الأمني للمشكلة، إلى أكباش فداء للاعتقال حتى لو لم تستطع تقديمهم للمحاكمات،، ذلك من أجل أعطاء مصداقية للبيان ، ومن أجل ترميم مصداقية الحكومة ولجنة التمكين فيما يخص الشماعات بعد أن تضررت كثيراً في الأسابيع الماضية بفضائح الحسابات المليارية لمحققين في لجنة التمكين، وقضية ابتزاز عاملين مع اللجنة للشركة الصينية، وهي الفضائح التي وصفتها اللجنة في البداية بأنها أكاذيب تروجها الدولة العميقة قبل أن تعود وتعترف مرغمة، لكنها تتوعد بالانتقام كما جاء في تصريحات وجدي صالح عن أنهم سيزيدون من جرعة الدوس وسيعلو “الصراخ” أكثر مما كان ، إضافة إلى فضيحة محاولة توظيف شحنة السلاح التي استوردها تاجر سلاح مرخص له، واستخدامها ضد الدولة العميقة المزعومة.

رغم أن بيان مجلس الوزراء
نسب الشماعة هذه المرة إلى وزير الداخلية الذي قدم تقريراً للمجلس ، ثم تحدث عن “تقارير” وليس تقريراً واحداً، ونسبها كذلك إلى “نقاشات أعضاء مجلس الوزراء ” إلا أن الحكومة ولجنة التمكين، ستحتاجان، إذا أرادتا ترجمة الاتهامات إلى عمل، إلى تعاون كبير جداً من الأجهزة النظامية يصل إلى حد المشاركة في التزوير وقلب الحقائق وتضليل الرأي العام، لكن يبقى هذا احتمالاً ضعيفاً إذا استصحبنا حقيقتين أساسيتين: الأولى أن الأحهزة النظامية كانت، ولا زالت، عرضة للاستخدام كشماعات للفشل، بأحاديث الشركات والسيطرة على ٨٢٪؜ من الاقتصاد، وبمزاعم التواطؤ ضد النظام، و التآمر عليه، وغيرها مما يردده النشطاء والساسة القحاطة، وحمدوك نفسه أحياناً، والثانية أن الفضائح الأخيرة جعلت لجنة التمكين تعرِّض في بياناتها الأخيرة بالأجهزة النظامية وتبدي امتعاضها من أدائها فيما يخص فضائحها الأخيرة، وفيما يخص وقوف الشرطة خلف تخريب وإفشال آخر استخدام للشماعة المتمثل في قصة شحنة أسلحة الصيد،

إبراهيم عثمان

اترك رد