هشام الشواني يكتب : الحوار أفقا للسياسة

السودان

رصد : الرآية نيوز

هشام الشواني يكتب :

الحوار أفقا للسياسة

التظاهرات الحالية هي ظاهرة تتولد أسبابها من داخلها، صارت التظاهرات تخلق مادة استمرارها من ذاتها، فكل يوم هو وقود لليوم القادم، إذا سألنا الناس عن مالذي حدث مثلا يوم ٢٥ أكتوبر ثم يوم ٣٠ أكتوبر ثم الأيام التي تلت تلك الفترة حتى يوم ٢١ نوفمبر، ثم تباعا كل الأيام في شهر ديسمبر. إذا سألناهم عن التفاصيل، المسارات، الهتافات، المواضيع. سنجد الذاكرة فارغة تماما، مجرد ملامح عامة عن هتافات، وصراع مع القوات العسكرية، كر وفر، ثم صور شهداء سريعا ما يتم نسيانها لصالح خبر جديد.

ماهو الموضوع تحديدا؟ في البداية كان الانقلاب، ثم صار الانتهاكات، وأصبح القصاص بسبب مزيد من الانتهاكات، ثم تحول لأغبى ثلاث لاءات في التاريخ، وهكذا أصبح اليوم الشهداء الجدد، وسيكون غدا الشهداء الذين هم في الطريق. هذا طريق عبثي تماما.

مالذي يحدث بالضبط؟
من ناحية اجتماعية ونفسية فهذه حالة مرضية عامة، تلذذ مرضي بالألم، استمتاع مازوخي بالموت، تحقيق للذات في عالم العولمة عبر العنف، البحث عن البطولة تحت أضواء الكاميرات، سخط وبؤس ورغبة خفية في حياة لها معنى سامي. لا سياسة وسط كل تلك الحالات النفسية الاجتماعية، ولا وطنية، ولا منطق، ولا تفكير.

الحرية نفسها ليست مهمة، كيف يمكن للحرية أن تحيا وسط هذه الأجواء الملغمة المملوءة بالرفض والعنف، هل رأيتم كيف يتم قمع المخالفين؟ هل رأيتم ما حدث لقادة قوى الحرية والتغيير؟ هل رأيتم ما يحدث لكل شخص سياسي يفكر؟ لقد صنع هؤلاء الحمقى الطفوليون سياجا أخلاقيا حول الفوضى، والعبث.

هذا مشهد لن يتقدم للأمام ولو خطوة واحدة، ووسط هذه الفوضى سيتمدد المرضى النفسيون، مهاويس الشهرة، الراقصون على الجثث، الوهميون، المغيبون، أنصاف المثقفين المحبطين، غريبات الأطوار. سيتمدد هؤلاء في قلب الخرطوم فقط، ومركزها الأكثر إثارة للانتباه. حالتهم هذه ستكون الموت الأخير للسياسة والرشد والأخلاق، وربما تكون الأيام الأخيرة للدولة الوطنية.

هذه الحالة لا تصالح معها أبدا، ولا يجب أن نقبل بها ولا أن نروج لها ولا أن نستخدم لغتها أو نستجيب لمزايداتها، وهنا وللمرة العاشرة نكرر، لابد من عودة السياسة للواجهة، لابد أن نرى سياسة بموقف جديد متجاوز لحالة التصعيد هذه. يسأل بعض الحمقى عن طبيعة هذا الموقف؟ ويتناسون عجزهم عن خلق موقف سوى غباء الرفض والفوضى، ما ندعو له ويدعو له الكثيرون بل وترغب فيه غالبية من الصامتين هو التوافق السياسي والحوار، تقديم برامج وقيادات منوعة، ثم العمل للوصول للانتخابات. أما من يسأل عن ترتيبات العدالة فنقول له: العدالة لن تأتي بدون دولة، وبدون مؤسسات. العدالة لن تأتي إلا عن طريق السياسة. ولا ننسى أن نكرر كذلك أن هذا الموقف يجب أن يتم على وعي بالمخاطر الخطيرة بالبلاد، من يتجاهل التدخل الخارجي والأمني والمخابراتي في البلاد، ولا يفهم أهمية مؤسسة القوات المسلحة وتماسكها فهو خائن أو ساذج.

اترك رد