إبراهيم عثمان يكتب : المنتحرون

السودان

الخرطوم : الرآية نيوز

إبراهيم عثمان يكتب :

المنتحرون

دخلت الأحزاب العلمانية إلى السلطة وهي تحمل هم وصمة رئيسية واحدة تتسبب في نفور الناس منها، هي وصمة الفكرة العلمانية، ولهذا استبقت استلام السلطة بإطلاق تطمينات بألا علمانية في الفترة الانتقالية، لكنها خرجت منها بوصمتها الأساسية هذه مثبتة ومبرهن عليها بأقوى طرق البرهنة، لأنها بمجرد بلوغ الحكم سحبت هذه التطمينات واختارت لكل متطرفٍ متميزٍ بشذوذٍ علمانيٍ زائدٍ الموقع الذي يظهر شذوذه بأوضح ما يكون، وكان عبد البارئ ومفرح والقراي عناوين هذه السياسة التي تجافي التطمين جملةً وتفصيلاً .

قبل السلطة، كان هناك مخمومون لا يرون علمانية قحت، ومؤلفة قلوبهم يقللون منها، ومكابرون ينكرونها، ومتحفظون على استحياء يكتفون بتطمينات ما قبل الحكم، وإسلاميون “ثوريون” يتعامون عنها، لكن بعد السلطة – وبدون أي توضيح لأسباب سحب التطمينات – لم تُبقِ قحت عذراً لمخموم، ولا حيلةً للتقليل يستخدمها مؤلف قلبه، ولا طريقاً للهروب يستخدمه مكابر، ولا تطمينات يتعلل بها متحفظ، ولا حجةً للتعامي يستخدمها إسلامي “ثوري” .

لم تخرج قحت من فترة حكمها فقط بتعميق وصمتها الأساسية، وإنما أضافت إليها
وصمات إضافية لا تقل عنها في تشويه الصورة، إذ أثبتت بأن شذوذها وغربتها وعدم مراعاتها لحساسيات الناس وحاجاتهم لا يتعلق فقط بموقفها من الدين، بل وبكل ما يهمهم في معاشهم وسائر شؤونهم، فكان الدوس الاقتصادي الأكثر توحشاً، وطلب التدخلات الخارجية الأكثر توغلاً، والتبعية الأكثر خنوعاً، وضعف الكفاءة الأكثر تدميراً … إلخ

كل هذا يجعلنا نقول بملء الفم إن سياسات قحت في فترة حكمها كانت سياسات أغبياء منتحرين لا آملين في تحسين الصورة، ومن يقول بغير هذا سنوجه له هذه الأسئلة : لماذا كان التطمين بألا علمانية، وألا رفع للدعم إن كانت هذه لا تخصم من الشعبية ؟ ومن هم الذين طمأنتهم قحت في البداية ؟ أليسوا أغلبية الشعب السوداني ؟ وما الذي يجعل قحت تظن أن مخالفة التطمينات بهذا الشكل الشديد الصادم لن يلغي أثرها، ويزيد من عزلة قحت، وبالتالي عقدتها من الانتخابات بأكثر مما كانت عليه قبل الحكم؟

إبراهيم عثمان

اترك رد