إبراهيم عثمان يكتب : عن ثقافة الفشل

السودان

الخرطوم : الرآية نيوز

إبراهيم عثمان يكتب :

عن ثقافة الفشل

أنتجت حالة القحط العام خلال الثلاث سنوات الماضية أدبياتٍ كثيرةً عن الفشل، وجعلت الفشل التيمة الرئيسية في الخطاب ، وكان هذا الخطاب من التنوع و”الثراء” بالقدر الذي يؤسس لثقافة الفشل، وبالتالي يجعل “المؤسس” يستحق اسمه، فقد أسس لشئ آخر بجانب العلمانية والتبعية .. في هذا الخطاب اختلط الإنكار، بالاعترافات شبه الكاملة، بالاعترافات المنقوصة، بالأخرى الاحتيالية،، وبتبادل اتهامات المسؤولية عن الفشل، وبالشماعات، وأيضاً – مع كل هذا – بحملات الشكر ! . كل هذا جعل ثقافة الفشل تأخذ طابعاً فوضوياً يجعل الخطابات انعكاساً لفوضى الواقع ..

هذه محاولة متواضعة لمناقشة بعض المقولات وبيان التباساتها وتلاعباتها وفجواتها المنطقية :
– حميدتي ( فشلنا فشلاً ذريعاً ) ..
– حمدوك : ( لم ننجح ولم نفشل ).. حمدوك : ( إذا كان هناك فشل فهو فشل جماعي ) ..
– عمر الدقير : (أتفق مع حمدوك في هذا، فالفشل جماعي ) .
– مريم الصادق ( الحقيقة الفشل، إن كان هناك فشل، ليس فشل مجموعة واحدة، بل فشل “مجموعات كاملة” :-
▪️ ( لم ننجح ولم نفشل ) يمكن ترجمتها إلى ( لم نعمل ) !، فالعمل الجدي – الذي يجعل أصحابه يعدون الشعب بالعبور – يكون ناتجه إما نجاح أو فشل، أما المراوحة في منطقة رمادية فهي تعني إما عدم العمل، أو أن الأعمال كانت دعائية عبثية وخارج أو على هامش موضوعات النجاح والفشل .
▪️ القفزة من ( لم ننجح ولم نفشل ) إلى ( الفشل الجماعي ) هي قفزة غير منطقية، فالأنسب منطقياً الانتقال من نفي وجود الفشل إلى الاعتراف بالفشل الجزئي لا الجماعي .
▪️ هناك فجوة منطقية بين ( إذا كان هناك فشل) و ( فهو فشل جماعي )، الأولى تشكك في وجود الفشل، والثانية تثبته للكل ! فإن كان التشكيك ينهض على أرجل حقيقية، فالعبارة المكملة المعقولة كان يجب أن تكون معاكسة تماماً للعبارة المستخدمة، لتصبح ( إذا كان هناك فشل، فهو ليس فشل الكل ) .
▪️( إن كان هناك فشل) تجعل الفشل وكأنه دعوى آخرين لا يريد الحكام التسليم بها تماما، لكنهم – احتياطاً، ولأنهم لا يملكون رفاهية النفي القاطع – يلجأون إلى التشكيك ، والمفارقة أنهم لا يجدون وسيلة لذلك سوى توسيع الفشل ! .. حجم الفشل، والصراع مع المكون العسكري، وإدمان التحايل وخداع الشعب، وحالة القحط العام المادي وغيره، كل هذه العوامل جعلتهم يستخدمون ( الفشل الجماعي ) في سياق الدفاع ! بينما هو في الحقيقة أكبر تهمة يمكن أن يوجهها معارض إلى منظومة حكم !
▪️ تراكم الفشل مع الأيام هو ما صنع هذه الفجوات المنطقية في خطابات الفشل، وجعل بعض العبارات تتجاور في غير اتساق، وجعلهم ينسحبون في خط انهزامي سريع، فقد تركوا خط الدفاع الأول ( نجحنا نجاحات تؤسس للعبور، وتجعل حمدوك يستحق لقب المؤسس، وتسوِّغ حملة الشكر الكبرى ) إلى خط دفاع ثانٍ ضعيف ( لم ننجح ولم نفشل )، ثم إلى خط دفاع ثالث أضعف يقوم على التشكيك ( إن كان هناك فشل )، ثم إلى خط دفاع أخير يؤدي غرضاً غير دفاعي ( الفشل جماعي ) ..
▪️ مقولة ( الفشل جماعي ) – التي اعتبرتها قحت ذروة دفاعها ومسك ختامه- تجرح كبرياء أنصار قحت، ولذلك لا يستخدمونها، ويستعيضون عنها بصياغات مختلفة لعبارة بمعنى ( الحكومة ناجحة، وكانت ستكون أكثر نجاحاً لولا تعطيل الشريك العسكري ) ! في استمرار غريب في انتاج واستهلاك الأعلاف الذاتية ..
▪️ مقولة حميدتي رغم إنها تبدو ظاهرياً أكثر صدقاً في تصوير الواقع، لكن يعيبها استخدام الضمير ( نا ) بينما سياق حديثه يثبت أنه كان يقصد ( هم )، وأيضاً في وصفه للفشل بالذريع الذي يوحي بالاعتراف وتحمل المسؤولية بينما كان يقصد إدانة الشريك .
▪️ الموضوعان الرئيسيان اللذان يتكلم عنهما المسؤولون لإثبات نجاحهم، وهما السلام ورفع العقوبات كان إسهام المكون العسكري فيهما كبيراً، بل إن دورهم فيهما كان أكبر من المكون المدني، وبالتالي فإن شراكة العساكر أوضح في موضوعي النجاح لا موضوعات الفشل ( مع ما قُدِّم من تنازلات كبيرة لتحقيق هذا النجاح ) .
▪️ مقولة الفشل الجماعي تجعل الأمل ضعيفاً أياً كانت نتيجة المفاوضات الحالية؛ تسليماً وتسلماً وخروج المكون العسكري من المشهد كما تطالب قحت، أو شراكة جديدة كما يريد فولكر والغرب، لأننا في الحالتين سنكون في أجواء الفشل؛ إما فشل قحت المنفردة بالسلطة والتي قد لا تجد – صدقاً هذه المرة – تعاون العساكر ، أو إعادة انتاج الشراكة التي تنتج الفشل الجماعي ..

ويبقى الأمل الوحيد للتقليل من كوارث الفشل الفردي والجماعي في تشكيل حكومة كفاءات مستقلة، تستفيد من هذا الإرث الفشلي الكبير وتأخذ منه العبر والدروس و(تعبر) بالبلاد من حفرة قحت وثقافة الفشل إلى ثقافة النجاح، وستكون عظيمة النجاح إن استطاعت خلال الفترة المتبقية من معالجة نصف الكوارث التي صنعها نظام الفشل الجماعي .

إبراهيم عثمان
٥/ ٢ / ٢٠٢٢

اترك رد