هشام احمد شمس الدين يكتب : نحو تنسيق رؤية دينية تجديدية لقضايا المراة(2-2)

السودان

الخرطوم : الرآية نيوز

هشام احمد شمس الدين يكتب :

نحو تنسيق رؤية دينية تجديدية لقضايا المراة(2-2)

3. أسس الزوجية :

إن من مقدم المسائل التي غَزُر فيها قول القرآن وفُصِّل ، مسائل الزوجية أسسها وضوابطها ، وكيفية عقدها وانفضاضها ، وهذا التفصيل القرآني يأتي من أهمية استقرار مؤسسة الزوجية ووضوح مراميها وغاياتها ، فلا تعلو فيها نوازع قهر أو تسلط أو حتى ظلم أو اجحاف ولو طفيف ، فهنا اهتمام بالغ بالإنسان وعلائقه وما ينتج من اختلاطه بمن يختار ، ولا سيما الأسرة اللبنة الأولى في المجتمع المؤمن المتزكي ، فإن فسدت لن يمنع مانع تسرب الفساد إلى أي من مفاصل المجتمع الأخرى .

1. نعمة الزوجية ومقاييسها :

لذا يبدأ التصور القرآني لتشييد هذه المؤسسة إخباراً بأن الزوجية هبة ومنة من الله تذكر مع النعم الطيبات .. (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) ، ويشجع الله على الزواج بما يسع المرء من وسع وله أن يتخير ويتوسل السبل لينفذ زواجه حتى وإن لم يستطع أن ينال كل مراده فله أن يسعى لما هو دونه ، وما هو دونه هذا قد يكون في نظر الإنسان فحسب ذو النظر القاصر ، فعند الله المقاييس العليا ، فليس الأساس هو الوضع الإجتماعي الذي قد يسعى إليه طالب الزواج ، فالدين والتقوى والإستقامة هي مقاييس الله التي يجب اتباعها.. (ولاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) ، ويقول : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ .. ) .

2. النية :

وما أن تلوح لائحة النية لعقد الزوجية حتى يحدثنا القرآن عن ضوابط النية نفسها ولوازمها .. (وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَـكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً .. ) .

3. العقد ولوازمه :

ومن ثم يبين الرسول كيفية إقامة العقد المتراضى بين الطرفين كما علمه الله بما يحفظ تساويهما وتكافؤهما أمام الله والمجتمع الشاهد عليهما ، ثم أن القرآن يبين حق المرأة في الصداق ويحذر من أكله بالباطل دون رضاها ويبين أن هذا مما فرضه الله .. (فَاَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) ، (وَآتُواْ النِّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا) ، (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) وهذا الحق لا يسقط أو يُجْحَف بدواعي المكانة الإجتماعية ، فالحق حق والإنسان إنسان لا تسقط حقوقه بضعف أو هون .. (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ .. ) ، ويبين الله تعالى حق المرأة الزوج في السكن الملائم أو أن لا يبخل الزوج عليها بالسكنى معه حيث يسكن حتى وإن عزم طلاقها .. (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ .. ) ، والنفقة على المرأة الزوج قائمة في حقه وحتى بعد فراقها إن حملت منه على قدر وسعه .. (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) .

4. إدارة المؤسسة :

وعند الدخول في قلب مؤسسة الزوجية يشرح القرآن تَوَزٌع الوظائف داخلها وذلك بالتراض ويقدم أطروحته لإدارتها .. (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ .. ) ، فالرجال الأزواج لا كل الرجال قوامون أي قائمون دوماً على كفالة المؤسسة وتلبية متطلباتها المادية والمعنوية ، وذلك بما فضل الله بعض الرجال على بعض النساء في المقدرة على تحمل الضغط النفسي والمشاق ، وبمقدرته على جلب الرزق غالباً والإنفاق ، فهنا يقرر التصور القرآني أن الرجل هو المطالب حقا بالإنفاق على المؤسسة ولا حق له في أن يطلب من المرأة أن تنفق هي أو أن تخرج للعمل بدلا منه ، فهو بما فضله الله عليها من تكوين هو الأقدر على تحمل المشقة غالب الأمر ، وهذه الرؤية تعقد عند تصور حدوث خلاف داخل المؤسسة بين الرجل والمرأة ، فلا حجة عند الرجل بإلزام زوجه بالكفالة ، ولكن يُتَصَور كذلك أن يتم الأمر بالتراض وأن يتعذر الرجل بعذر مقبول للمراة أن تقبله فتتحمل هي تكليف الإنفاق على المؤسسة ، أو لهما أن يشتركا في ذلك سواسية أو بعضاً إذا تم التراضي ، وإنما جائت الآية لحل أي خلاف قد يقع بينهما ، وعند ذلك يخرج الرجل للسعي لجلب الرزق وهنا تكون المرأة الصالحة قانتة حافظة لغيبته كما يريد الله تعالى .

5. النشوز :

إن من طبائع بعض الإنسان النزع نحو الإستكثار من الشهوة أو التسلط على الغير الأضعف ، أو التهرب مما يقع على عاتقه من مسؤوليات وواجبات ، فالضابط لمسلكه المستعصم بعرى دينه ينجو وإن زل يستدرك باكراً فيستغفر الله على ما فرط ، إلا أنه لابد وأن يقع المكروه على البعض ، والقرآن تنزيل على واقع الزوجية يهديه في كافة جنباته المفصلية ، لذا نجد الرؤية القرآنية تفصل تفصيلاً مهماً لما قد يقع بين الأزواج من نشوز أو دواع للنشوز ، والنشوز هو الترفع عن متطلبات الزوجية ومسؤولياتها ويتمثل في صور عدة أبلغها الخرق لحرمة الزوجية ، وهو إطار واسع من الممارسات يندرج داخله جملة من الأفعال الهاتكة أو المهددة لستار الزوجية ، فالتهرب من مسؤوليات وواجبات الزوجية يعد نشوزاً ، والنظرة المتعمدة للأجنبي بدفع الشهوة نشوز ، واختلاس الحديث بدوافع الإعجاب نشوز ، ويتدرج النشوز حتى يدخل تحت طائلته جريمة الزنا بأركانها . وهنا يحدثنا القرآن .. (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) .

فمن سياق الآيات فإن النشوز هنا فعل قد يستفزه غياب الزوج عن منزله ، مما يفهم منه أن النشوز ليس ترفع الزوج عن متطلبات زوجه فحسب بل يدخل فيه أفعال قد تحدث في غيابه ، وهنا يصف الله تعالى الصالحات بأنهن حافظات لغيبة أزواجهن فلا يقدمن على أفعال قد تعد نشوزاً عنهم ، فقوامة الرجل طالما تخرجه من بيته بحثاً عن الرزق ومع تكرر غيابه قد يفعل الشيطان في نفس المرأة الزوج أفاعيل ، كما أنه قد يفعل في نفس الزوج الخارج أفاعيل ، ففد لا تحفظ المرأة غياب زوجها ، أو قد يشك الزوج في ذلك ، ومجرد الشك المُضْرَم في الصدر أوجد الله له مخرجا بأن يُفضى به في صورة نصح للمرأة هو موعظة لها لا عقاباً ، فلا جرم مثبت قد ارتكبته لكي تعاقب ، وهذا هو أقل رد فعل تجاه خشية النشوز قد يقدم عليه الزوج تجاه زوجه ، وقد يتثبت الرجل من فعل نشوز ما ، فهنا عليه بإيقاع نوع من العقاب يوقع أثراً بالغاً في النفس وقطعاً مؤقتاً للمودة المطلوبة من الرجل تجاه زوجه وهو الهجران في المضجع المكان الأكثر أنساً وقربا للزوج من زوجه ، أما الخيار الأخير فهو عندما يبلغ النشوز ذروته ولا يُتَصَور نشوزاً أكبر من أن تقع المرأة في جرم الزنا ، وهنا يباح للزوج أن يضرب زوجه حتى ترتدع ، وقد يتسائل سائل : إن كان ما أقدمت عليه المرأة زنا ، أولم يشرع الله جزاء الزاني في القرآن ؟ والإجابة هي بلا شك نعم ، ولكن هنا الوضع أكثر خصوصية ، بمعنى أنه إذا أقدمت إمرأة ما على جرم الزنا وتثبت زوجها من ذلك ، فهناك تصرفان متوقعان يمكن أن يقدم على أحدهما الرجل . الأول : أن يُبَلِّغ الأمر لسلطة المجتمع ويقيم عليها الحجة وتجلد زوجه التي قد تكون أماً لأولاد منه علنا أمام طائفة من المؤمنين جزاء لها على ما ارتكبت .. (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْعَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) ، والثاني : أن يتغاضى الزوج عن الأمر خشية ما يترتب على ذلك من فضيحة ومتلازمات ولكنه قد يقدم على طلاقها . هنا يقدم القرآن أطروحة ثالثة : وهي أن يسترها من الناس وسلطة المجتمع ويحفظ سمعتها وسمعته ولا يطلقها فيهدم أسرته ، ولكنه لا يفوت العقوبة الرادعة لها على ما ارتكبت ، وذلك بأن يضربها هو عقاباً على ما فعلت ، فيستر زوجه ويحفظ أسرته .

ولذلك يستخدم السياق القرآني مشتقة كلمة ضرب “اضْرِبُوهُنَّ” عوضا “اجلدوهن ” وذلك للتفريق بين العقوبة العلنية وتلك المستورة ، أما و إن إلتزمت المرأة وتابت لا سبيل لزوجها أن يتخذ فعلتها تلك دوماً مذلة لها أو أن يتسلط عليها بالإعتداء بحجة نشوز سابق أقدمت عليه ، وعليه أن يتذكر أن فوقه إلهاً أكثر منه قوة وسيطرة فهو العلي الكبير . ويعضد ذلك الحديث المروي عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حيث قال : ” ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ” ، فالهجران والضرب لا يكون إلا إذا وصل الأمر موضع الفاحشة ، ولا بد أن تكون الفاحشة المضروبة فيها المرأة أكبر خطباً من تلك المهجورة فيها ، فلا بد أن تكون هي أخطر الفواحش التي يمكن الإقدام عليها ولا يُتَصَور عمل غير الزنا.
ولكن كما أسلفنا من قبل فالرؤية القرآنية لا تنظر للمرأة على أساس أنها مكمن الشر والإنحراف كما تصرح رؤى أخرى ، فالزوج الرجل قد يقع منه كما يقع من المرأة الزوج من نشوز ، لذا يقول تعالى : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) ، فبمجرد خوف المرأة من إمكانية نشوز زوجها يسارع القرآن بطرح حل الصلح بينهما وهو عملية مناقشة ما وقع بغرض معالجته وتجاوزه ، ويؤكد القرآن أن الصلح خير لهما من هدم الزوجية ، منبهاً أن النفوس قد تسعى للإستئثار بالخير كل الخير لنفسها وتعرض عن بعضها وتكون شحيحة فيما بينها فيجب الإحسان والتقوى فالله بالغ الخبرة بما نعمل ، وهذه الآية وردت في سياق تعدد الأزواج بالنسبة للرجل ، فحينها قد يميل الرجل لإحداهن ويٌجْحِف بحقوق أخرى ، فالإصلاح هو عملية تنازل وتقدير من الرجل الناشز وزوجه المشتكية حتى يصلا للحالة التي ترضي الطرفين . وقد يتسائل البعض لما لم يدرج القرآن ردود أفعال في حالة نشوز الرجل مماثلة لما أورد في نشوز المرأة ؟ إن استذكرنا ردات الفعل تلك نجد أن أول ما طرح هو الموعظة المتناسبة مع مستوى أولي من النشوز ، وهذا الطرح مضمن في عملية الإصلاح ، فالإصلاح مناقشة لما وقع من خطب ، وهذه المناقشة تتضمن بطبيعة الحال مواعظ من الشاكي المرأة على المشتكى منه الرجل ، أما الهجر والمقصود به الإقلاع عن المعاشرة الجنسية ، فهو فعل ملازم للرجل من طبيعته وليس للمرأة ، فالهجر فعل عكسي للوصل والإتيان ، وهذا الوصل والإتيان ملازم للرجل ، فهو المبادر في العموم والمرأة تقع موقع المستقبل ، فامتنعها عن فراش الزوج لا يسمى هجرانا ، بل هو امتناع أو استعصاء ورفض لما هو معروض . وأثر هذا الرفض لا يبلغ مبلغ الأذى النفسي الذي يبلغه عند المراة المهجورة ، أما الضرب فلا يتصور في العموم تمكن المرأة من الرجل أو خضوعه لها لتتمكن من ذلك في حالة بلوغه بالنشوز أعلى مراتبه ، فالسبيل أمام المرأة هو الإصلاح وإن أرادت فطرح الأمر لسلطة المجتمع إن أرادت إتهامه بأقصى مبلغ النشوز الزنا ، وإن استفحل الأمر نجد آية الشقاق التي سنوردها لاحقا وإلا فالطلاق.

6. الشقاق والطلاق :

الزوجية مؤسسة تقام في الواقع وتتعاطى متغياراته وتقلباته ، وتقلباته قد تنعكس إيجاباً لتمتين المؤسسة ، إلا أنه من المحتمل كثيراً أن تنعكس سلباً على ركائز المؤسسة وقواعدها ، فقد يظهر الخلاف ويدب الشقاق وهو الخلاف الذي ينذر في حال عدم تجاوزه بإنشقاق طرفي الزوجية وإنفضاض عقد الزواج أي الطلاق ، والرؤية القرآنية كما أنها تُدَعِّم لركائز الزوجية وترسم لها خط سيرها ، فهي كذلك تسعى نحو فض النزاع وإطفاء جذوة الشقاق بسبل عدة ، يقول تعالى : (وإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) ، وتحذر الرؤية القرآنية من تغول الرجل على زوجه وتسلطه عليها بذكوريته أو هضم حقها أو تَمَنُعِه من القيام عليها ، وأن لا سبيل عليها إلا بثبوت الفاحشة الواضحة وإلا فالمعاشرة بالمعروف لزاماً عليه وواجباً ، وإن كرهها من كبر ظهر عليها أو لأي سبب آخر فعليه أن يعلم أن لله العلم الواسع فقد يكرهها وتكون هي الخير عينه .. (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) .
فإن لم ينجح الطرفان في تجاوز الشقاق ولم يتمكن المجتمع من حولهما من إطفاء جذوته فلا سبيل سوى الطلاق الذي يحفظ كرامتها ويحافظ على صورة الزوجية مهابة ومقدرة ، يقول تعالى : (فإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) ، (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) ، (وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا) ، فلفض العقد هذا لوازم وأحكام في مطلعها أن يكون بإحسان لا بالسيء من القول أو الفعل ، وان يلتزم الرجل الطلاق بالمعروف من اللوازم والأحكام ، وذلك مفصل بدقة في سورة الطلاق .. (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًاَ ، إِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ، وَالَّلائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَالَّلائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ، ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ، أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ، لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) ، وفي غير سورة الطلاق في غير موقع ذكر الله لوازم الطلاق وفصلها حفظاً للحقوق وللكرامة الإنسانية أن تهمل أو تسفك .

إننا قصدنا من هذه التوطئة تلمس الطريق التجديدي العائد للوحي القرآني مؤسساً ومفصلاً لعلاقة الرجال بالنساء عامة وفي خصوصيات علاقة الرجل بالمرأة ، لا نرى أن ما ذهبنا إليه يقع موقع الصحة الكاملة ولا شك ، لكننا نرى ضرورتين لابد من أخذهما بالإعتبار وأن أي زوغان عنهما أو إغفال لهما يوردنا مورد التوهان والظلم لأنفسنا على صعد مختلفة ، الضرورة الأولى هي خروج النساء من غيابة الجب التي وقعن فيه ، المشبع بالظلم والإستبداد والتهميش ، والملحوق بالضياع وضعف التأسيس لنهضتهن، والضرورة الثانية التوبة للقرآن والتقدم نحوه لتتأسس عليه عرى المجتمع عامة ولاسيما أخصها الأسرة أو مؤسسسة الزوجية . فإن تحققت الضرورتان فلا ضير إن اختلفت الرؤى التفصيلية وتباينت الاجتهادات والله الموفق .

دعوة للاحياء

اترك رد