إبراهيم عثمان يكتب : اليسار السوداني والسيناريو المصري

السودان

الخرطوم : الرآية نيوز

من مفارقات السياسة السودانية أن الحزب الشيوعي الذي كتب أطول مرافعة عما حدث في مصر بما يزيد عما كتبه أكثر الأحزاب المصرية تأييداً له أصبح الآن هو أكثر الأحزاب تحذيراً من تكراره في السودان . وأن الحاج وراق الذي قال شعراً فيما حدث في مصر أصبح الآن مهجوساً باحتمال تكراره في السودان دون أن “يتورط” في إدانة مباشرة له، اللهم إلا تلك الضمنية المتولدة من التحذير والتوجس .

– وعندما يحدث هذا النوع من الإدانات الضمنية دون أن “يتنازل” أصحابها عن استمرار التأييد هناك، ودون أن يدعموا تحذيرهم بأدلة على سوء المآل هناك فيما يلي استقلال القرار والديموقراطية والحريات وحقوق الإنسان والانتخابات الحرة النزيهة .. إلخ مع توفر فائض من الأدلة يكفي لجعل التحذير أكثر معقوليةً وأكثر إقناعاً، عندما يحدث هذا التحذير الأبكم “إن جاز التعبير”، فإن المؤكد أن اعترافاً صريحاً باللامبدأية قد حدث.
– وعندما تغيب أي إشارات تضامن مع ضحايا ما حدث في مصر من المختلفين معهم فكرياً ومن المتفقين، ففي ذلك دليل إضافي على لامبدأية قارة في بنية التفكير، وتأكيد على أن أهم أفعالهم ومواقفهم تنبني على اللامبادئ لا العكس .
– وعندما نضع التأييد الشديد مقابل التوجس الكبير، فسنخرج من ذلك باستنتاج مُبرهَن عليه بألا مانع لديهم من تكرار السيناريو في السودان إذا ضمنوا سيطرتهم الكاملة عليه .
– وعندما يصبح النظام الذي دعموه بكل قوة وتنازلوا له عن بعض مبادئهم المزعومة، هو أحد المهددات القوية المحتملة لنظامهم الضعيف المرتبك، فإن في هذا إثبات قاطع على اختلال العلاقة، وعلى أن رفاقهم في مصر لا يبادلونهم ذات الود الذي يتنازلون من أجله عن “مبادئهم”.
– وعندما تتوفر في السودان أضعاف المبررات التي زعموا بأنها كانت وراء تأييهم لما حدث في مصر دون أن يجدوا عذراً لسيسي سوداني، ففي ذلك تأكيد على أن العداوة للأحزاب الفائزة بالانتخابات الحرة النزيهة في مصر، بل العداوة للديمقراطية وفوبيا الانتخابات هي، بعيداً عن أي مبدأ، التي تفسر تأييدهم لما حدث هناك .
– وعندما يشكل السيناريو المصري الآن قلقهم الأكبر، ففي ذلك تأكيد ليقينهم القاطع بأن الخطر من ذلك السيناريو على الديمقراطية يتجاوز مصر إلى غيرها وأن ذلك لم يكن يشغلهم ما دام قد كان ضد خصومهم.
– وعندما يكون أملهم – قبل التغيير الذي أوصلهم إلى السلطة – في الثورات المضادة التي توصل العلمانيين إلى السلطة، ثم يكون هاجسهم الأكبر ليس من ثورة إسلامية مضادة بل من ثورة مضادة من ذات النوع الذي كان يجد تأييدهم في مصر، أي ثورة تجمع بين العسكرية والعلمانية، فإن ذلك يشكل اعترافاً بأن الانتهازية لها الدور الأكبر في تحديد مواقفهم، واعترافاً جهيراً قد مفاده أن الديموقراطية هي آخر اهتماماتهم، بل هي عدوهم الأول . وأنهم كانوا يؤيدون سيناريو مصري في كل بلد تجري فيه انتخابات حرة نزيهة “قد” يفوز فيها خصومهم الفكريين .
– وعندما يتحول أملهم الكبير في ذلك النوع من الثورات المضادة في المنطقة إلى هاجس كبير في السودان فقط ، بلا سبب آخر سوى الخوف على كراسيهم، فإن في ذلك ما ينزع عنهم آخر ورقة توت كانت تسترهم .
– وعندما يكون هناك ، مع الهواجس، بعض أمل في أن يرى فيهم صناع الثورات المضادة الذراع السودانية الموثوقة على خلفية العداوة المشتركة، فإن التحذير من تكرار السيناريو المصري سيصبح مجرد تحذير من أثره عليهم لا من أثره على السودان، بما يعني الترحيب به إن كان لصالح دكتاتورية أحزاب الفكة اليسارية.

اترك رد