م.محمد فاروق يكتب : الإستقلال الثاني ،،،، إعادة ضبط المصنع (٣-٣)

السودان

رصد : الراية نيوز

الإستقلال الثاني: إعادة ضبط المصنع ٣-٣

محمد فاروق سلمان ١١ يوليو ٢٠٢٢

فمن اقدار السودان، والعالم يستقبل آفاق صعود دور الارادة الوطنية؛ في تقرير مصير الدول والشعوب، مع ارهاصات انتهاء الحرب الباردة، في ٨٩، استقبل السودان انقلاب الثلاثين من يونيو!، ليصبح انتصار الاسلام السياسي؛ مقابل لانتهاء نظام الابارتايد في جنوب افريقيا!، وسقوط نظام الحزب الواحد في اوروبا الشرقية، ومقابلا ايضا لسقوط منقستو في اثيوبيا ونهاية الحرب الاهلية هناك، وإستقلال ارتريا. كما أن الانقلاب في ذلك التاريخ، قطع الطريق امام مبادرة السلام السودانية (اتفاقية اديس ابابا ٨٨ بين قرنق والميرغني)!، ومن اقدارنا لاحقا: وثورات الربيع العربي تشهد صعود الاسلام السياسي، شهد السودان سقوط حكم الإسلام السياسي. وهي اقدار إن تمعنا فيها قد ندرك خصوصية تجربتنا، وتقدمها ايضا في اتجاهين: من خلال طرق ابواب الفرص والتجربة مبكراً عن غيرنا، ومن خلال قدرتنا على تكرار التجربة مرة بعد مرة! واهدار هذه الفرص كل مرة!!

من الثقافة الشمولية هو تصور كل من تصدى للشان العام، لدوره في بلاده من خلال السلطة السياسية الرسمية فقط، ولا احد بعبأ بالسلطة غير الرسمية (بما في ذلك السلطة السياسية المستقلة)، او الغير سياسية (بما في ذلك السلطة الرسمية المستقلة)؛ كما في الدولة المدنية، لنجد مثلا حتى اعضاء منظمات المجتمع المدني لا ينتبهون لطبيعة السلطة التي عندهم! أو الظابط في الجيش لواجبه المهني، وسلطته بناءا على الواجب، وكذلك الطبيب في المستشفى، والمعلم في المدرسة، وكل “الجيوش” المدنية المهنية الاخرى!، فينكب الجميع على الصراع حول السلطة السياسية، مما يبقي على حالة الانحلال السياسي political decay، ويلغي المؤسسية والقدرة على محاصرة فضول السلطة (بجميع أشكالها) من خلال خضوعها لسيادة القانون وتنظيمها من خلال نظام سياسي political order. كشرط لانهاء تهديد الدولة للحق في الحياة وفصول العنف الممنهج لمؤسساتها.

ونرى الان محاولات تصوير الدائرة مضلعاً (وهي حقيقة بالمناسبة لا معنى لتصورها)؛ من خلال حصر دور حركة المقاومة الجماهيرية في استحواذ السلطة، لا تأسيس مشروعيتها، وهو توريث لإرث النخبة القديمة لنخبة جديدة طور التخلق و الميلاد، حصاده سيكون تاكيد إدمان الفشل من قبل النخب، لا بحث فرص نجاحها: فالسلطة بهاية الامر ستمارسها قلة وفق الطبيعة “الاولغراشية” للسلطة، كطبيعة أي نظام ادارة تراتبي. ويتيح النظام السياسي الديمقراطي، وجود مؤسسات سياسية قاعدية لضمان اوسع مشاركة شعبية في التمثيل السياسي لتفويض هذه القلة عبر ترجيح الاغلبية (الانتخابات)، ومؤسسات مجتمع مدني مستقل لضمان مستويات متعددة للقياس والمحاسبة لتحديد أهلية هذه القلة، ومؤسسات اخرى اكثر تخصصا ذات طبيعة معرفية (مراكز بحوث وسياسات واكاديمين الخ..) لتقييم/دعم اهلية سياسات وقانونية اجراءات هذه القلة. كل هذا في الفضاء المدني المستقل لياتي دور المستوى الرسمي والذي لا يسمح بوضع كل السلطة عند قلة واحدة فيقوم على مبدا فصل السلطات لتشكيل مستوى اخر ل check & balance، وتأتي الثورات وبطبيعتها اللاسلطوية (الاناركية) فتعيد تعريف السلطة نفسها في التاريخ، لا التاكيد عليها من خلال اعادة تقديم شاغرين جدد.

طبعا سيكون من الصعب التوافق على من يحكم من خلال صيغة لا تجعل تدخل الجيش ضروري لترجيحها، ودعمها، وهذا سيكون بمثابة اتفاق سلطوي اخر، وعهود ستنقض مرة اخرى. لكن من الممكن الاتفاق على كيف يحكم السودان، وبعدها لن يكون الترجيح بيد المدنيين السياسيين، كمقولة غير مؤسسية (تتيح سلطة مطلوقة)؛ ولكن بخضوع جهاز الدولة ومن ضمنه الجيش لسيادة القانون وفق مباديء التأسيس. وسلطة المدنيين السياسيين الذين يحكم وجودهم المؤسسية أولا ويحتكم توافقهم لقيم المدنية الديمقراطية دائماً.

بنهاية الامر قد نصل لاتفاق على نسق الخيار الاول؛ سلطوي: بالاصرار على من يحكم؛ مع غير البرهان، فيما يبدو انه يتم دفع الجماهير اليه، دون المبالاة بكلفته، أو القلق بحقيقته!. ولكن يمكننا ايضا الوصول لاتفاق تاسيسي على نسق الخيار الثاني، حتى في وجود البرهان نفسه، يحتاج الامر لانحياز تاريخي ما لم نتملك وضوح الرؤية، وجرأة الإرادة لن ننجزه حتى مع غير البرهان، وسنملأ فراغ حراكنا المدني بالصراع مع الذي يليه. وعلى نحو ما نفعل منذ ذهاب البشير وسقوطه! فنحن لم نوعى بعد ان علاج العجز في وظائف الدولة والفشل من قبل النخب الوطنية؛ يعني اعادة “ضبط المصنع”، كنظام معالجة سيطال الجميع، ولا يمكن تفصيله على طرف دون سواه، كمعالجة جذرية وفق مفهوم الاصطلاح نفسه: reset factory settings والذي لايسمح بتطبيق انتقائي!

اترك رد