إبراهيم عثمان يكتب : عن الإستثمار في الأزمة

السودان

الخرطوم : الراية نيوز

إبراهيم عثمان يكتب :

عن الإستثمار في الأزمة

انتقال الصراع الإثني بصورة عنيفة وسريعة من مدينة لأخرى يوضح أن الأمر مخطط له بدقة، وليس تنادي عفوي لمجموعة من الغاضبين.

التلاعب باستقرار الناس وحياتهم من أجل تحقيق مكاسب سياسية سيقود إلى حريق شامل في البلاد لن يبقي وراءه أي ميادين صالحة للتنافس السياسي المدني ) – محمد الفكي سليمان

اللغة في هذه التغريدة تتلاعب بهذا الذي يحاول التلاعب بها، تتمنع على التواطؤ معه، توثق لباطله بقلمه، وتفضح هشاشته بكلماته، وتثبت عدم صدقه وأنانيته وسوء طويته بفضحها لغرضه الأناني الذي يخيم على النص بكامله، وتتأبى على دور شاهد الزور، وقواد الأفكار المسمومة المغرضة بفجواتها المنطقية التي راوغت هذا المراوغ غير الحريف وأصبحت هي الجزء الأبرز في هذا النص القصير بعدد كلماته، الطويل بحجم ما يرويه من لامسؤولية، وكذب، وأنانية، وجهل، من أصبحوا، في زمان الغفلة والتيه والقحط العام، ضمن قادة الصف السياسي الأول في بلادنا المنكوبة .. تفعل اللغة كل هذا بنصه المتهافت، فتضطره – كما سنرى – إلى التعويل على الجهل وحده ليكون هو قواد فكرته المسمومة، وسلم صعوده إلى السلطة التي بكى لفقدها كما لم يبكِ غيره في تاريخ السودان :

▪️ هذه التغريدة تقدِّم مثالاً نموذجياً لـ (رمي البلا)، والإسقاط، والاستثمار في الصراعات، والتركيز على تحقيق مكاسب سياسية سهلة منها، ببساطة لأنها تستبق أي تحقيق، وتتجاهل أي روايات من موقع الحدث، وتتجاهل البحث عن أي مسببات ممكنة للصراع ، غير تلك التي تحقق المصلحة السياسية الكاملة لصاحب التغريدة .
▪️ التغريدة تقول، فوق السطور وتحتها، إنه لا يوجد أي سبب للصراعات القبلية – عندما لا يكون صاحب التغريدة حاكماً – غير السبب الوحيد الذي تتحقق بتحديده مصلحته الآنية، متمثلة في اتهام خصومه بصناعة المشكلة، وتتحقق بعلاجه الوحيد الإلزامي بقية مصلحته المأمولة متمثلةً في إسقاط خصومه، وتوليه السلطة !!
▪️ صاحب التغريدة، وكذلك رهطه الذين يكتبون مثله، لا يساهمون في وضع أي معالجات حقيقية عاجلة للأزمة، ولا يقدمون أفكاراً عملية للحل غير الحل المؤجل المرتبط بمصالحهم الخاصة . وهذا يؤشر إلى أن المصلحة، ولا شئ غيرها، هي ما يحدد أقوالهم لا التعاطف الحقيقي مع الضحايا، ولا الشفقة على البلد واستقرارها .
▪️ إذا تجاهل أطراف الصراع ما يعلمونه من جذوره، ومن ظروف انطلاق شرارته، وسلَّموا بما يفترضه صاحب التغريدة، وتبرأ كل طرف من الاستخدام الحكومي له، واتهم الطرف الآخر، فإن النتيجة الطبيعية هي مزيد من الصراعات بينهم، وبذلك يكون صاحب التغريدة قد قدَّم مساهمته النوعية الكبيرة في تعميق الأزمة .

▪️الدليل الوحيد الذي استند عليه صاحب التغريدة لاتهام خصومه هو ( انتقال الصراع الإثني بصورة عنيفة وسريعة من مدينة لأخرى)، بينما انتقال الصراع بصورة سريعة وعنيفة ، يمثل دليلاً قوياً على العكس، ببساطة لأنه لا يوجد حاكم، مهما كان جهله، يخطط لإشعال المدن، وتوسيع نطاق أعمال القتل المجاني وحرق مكاتب الدولة، وتعطيل العمل، وإنهاك الأجهزة النظامية، وزيادة صرفها ..

▪️وحتى إن كان هناك حاكم غبي ومجرم يفكر بهذه الطريقة، وقرر صناعة أزمة إثنية في مكان ما لمصلحةٍ ما، فإن المنطق الذي لا يمكنه أن يحيد عنه – لارتباطه القوي بمصلحته – هو ألا ينتقل الصراع بطريقة سريعة وعنيفة يصعب التحكم فيها، وتقود إلى حريق شامل في البلد يثبت فشله قبل أن يحرق سلطته . وإن كان هناك من يفكر بهذه الطريقة، ويخطط للانتشار السريع العنيف للصراعات، فبالتأكيد لن يكون هو الطرف الحاكم ..

▪️ من الواضح أن الأستاذ الفكي نفسه لا يؤمن بما يكتبه، فلو كان يؤمن به حقاً، لكان أساس تغريدته مناشدة أطراف الصراع بعدم الاستجابة لمخططات الحاكمين، ولذهب بنفسه إلى مناطق الصراع، أو أرسل وفوداً تحمل روشتة تقوم على حل المشكلة بالتركيز على إبطال الكيد الحكومي .

▪️ إذا انتهت الأزمة بسرعة، خاصةً إن كان ذلك بجهد حكومي، وهناك مؤشرات لحدوث ذلك، فإننا لن نكون مفتشين للنوايا ومحاكمين للضمائر، إن قلنا إن درجة ما من درجات خيبة الأمل ستصيب الذين تسقط دعاويهم بهذا الحل، وتضيع عليهم فرصة استثمار سهل لا يكلف سوى تغريدات وتصريحات لا يهتم أصحابها بتماسكها وقوة حجتها أو بأضرارها وتعميقها للصراع ..

إبراهيم عثمان

إبراهيم عثمان يكتب : بين الدفاع المتروك و كاني ماني وناس قريعتي راحت

اترك رد