محمد طلب يكتب : (اسيا وافريقيا) وارض الله الواسعة

السودان

الخرطوم : الراية نيوز

محمد طلب يكتب :

(اسيا وافريقيا) وارض الله الواسعة

(اسيا وافريقا) عنوان قصيدة للشاعر المرحوم صاحب (الشلوخ المطارق) والشموخ الباذخ تاج السر الحسن تمجد حركات التحرر والثورية في القارتين الاسيوية والافريقية …صدح بها العملاق المرحوم عبد الكريم الكابلي الذي يقال ان اسمه من (كابول) اجعلها اليوم مع (ارض الله الواسعة) عنوانا لموضوعي وفطنة القارئ تدرك علاقة العنوان بالموضوع وفكرة التعددية في الاسلام مع فكرة التجنيس الحديثة …

الثورة السودانية التي مرت عليها اعوام ولا ندري الي اين تقودنا كانت في تاريخ متزامن مع فوز دولة قطر بكأس اسيا

وقد شاهدت مباراة نهائي كاس اسيا في ذلك اليوم من فبراير 2019 وانا مغترب بدولة الامارات بمشاعر محتشدة و متناقضة… شئ من الحزن والاسي وبعض من الفرح والنشوة…مما جعلني اسال نفسي في تلك اللحظات … اين انا الان؟؟ ….

لم يسرني وكثيرون غيري خروج (الامارات) بالهزيمة القاسية من (قطر) …و بعيدا عن السياسة والخلاف بينهما في تلك الايام (اري بوادر تلاشيه حاضرة الان)

و من باب الادب واحترام البلد التي احتضنتني اكثر من عقدين من الزمان و هي مسقط راس ابنائي جميعا…. بكل المقاييس هي بلدي الثاني ولها خصوصية عندي واحترام ولها من الافضال عليّ وعلي اهلي الكثير ….

اما منتخب قطر ضد اليابان فشدني اليه اللون الاسمر الذي يكسو وجوه لاعبي الفريق القطري والاسماء التي تنم عن (سودانية اصيلة) كيف لا والمذيع عندما يذكر ( مادبو) واصفاً البطل قصير القامة بالدبابة البشرية ثم يكرر( مادبوووو) ليرحل بي الي غرب السودان حيث قبيلة الرزيقات العرب الرحل المنتشرون في كردفان ودارفور وناظرهم( مادبو ) فيبدو لي هرم من اهرامات السودان فتتمدد روحي الي ذلك الوطن الحبيب وسهول (كردفان الغرة ام خيرا جوة وبرة) … وانا ملقٍ جسدي علي اريكة راقية في دولة الامارات الحبيبة …وفجأة اجد نفسي اصرخ مع هدف الفارس الاسمر المعز الذي يكسر كل الارقام السابقة في البطولة الاسيوية …شباب في عنفوانهم مشحونون بحب الشعار والانتماء للارض التي ولدوا او عاشوا وترعرعوا فيها وبهم جسارة المهدي وعثمان دقنة و ود حبوبة وعبد اللطيف وكل (جدودنا زمان ) فهي جيناتهم لا تفارقهم ابدا ترحل معهم اين ما رحلوا ويحملونها مابين الصلب والترائب …المعز …مادبو … احمد عبد العزيز …المعز وغيرهم من الشباب الاشاوس …

كلهم في بداية العشرينات من عمرهم ولدوا في عهد (الانقاذ) و ربما في الغربة بعد ان شُرد اباءهم في عهد (التمكين) فاحتضنتهم دولة قطر وكان من الممكن ايضاً ان تحتضنهم الامارات او انجلترا او المانيا او اي مهجر اخر في عهد التهجير…. المهم انهم وجدوا الرعاية والاهتمام بمواهبهم وتدرجوا في الاكاديميات الرياضية والفرق العمرية حتي وصلوا الي ما وصلوا اليه و حتي نال وطنهم شرف بطولة اسيا لاول مرة في التاريخ وغالباً ما يخرج الفريق القطري من المنافسة في دوري الثمانية او قبله …

نعم (قطر) وطنهم ولا عجب واكررها انهم (قطريون) حتي النخاع …ثم يسكنني الاسي العميق وانا اسأل نفسي السؤال الذي يفترض ان يسأله اي سوداني لنفسه …ما هو مستقبل هؤلاء لو ولدوا وعاشوا في (السودان) وفي عهد( الانقاذ) الذي لا يعر المواهب ادني اهتمام..
قطعا الاجابة لا تحتاج كثير عناء …انتهت تلك المباراة الممتعة حقا قبل سنوات و ما زلت مسكوناً بالالم وجراحي تزداد وتنزف دماً علي وطن يقتل المواهب بالتشريد وعندما ينتفضوا ليستشرفوا مستقبلهم يقتلهم بالرصاص ……
سيقول الكثيرون منكم انهم فخر بلادنا السودان واقولها لكم بالصوت العالي انتم مخطئون انهم فخر بلدهم (قطر) فخر من رعاهم وليس فخر من شردهم ومع اخوانهم حققوا النصر الرياضي (لدولتهم) وبالمؤسسية والقانون تكسبنا الدول ويخسرنا الوطن ….

وهناك قول ينسب لسيدنا الامام علي رضي الله عنه يقول (الفقر في الوطن غربة والغني في الغربة وطن ) والفقر لا نقصد به المال فحسب …فهنئيا لهم ببلدهم الذي جند لهم المال للفكرة و البناء ….وشتان بين مال للتجنيد (والتجنيب) و الاخر تجنيد المال للبناء والتعليم والتعمير …

عدت لبلادي مع ثورة الشباب و ما زالت شوارع السودان المترعة بالدماء تذكرني بابناء السودان الذين اتخذوا المهاجر اوطان واصبحوا من المشاهير في كل العالم وبكل المجالات العلمية والرياضية وغيرها…. ارحموا صغارنا الموهوبين الاذكياء من كل القبائل واوقفوا هذا العبث…. الثورة تزامنت مع كاس اسيا الذي فازت به (قطر) بالدماء السودانية التي جرت بالتجنيس في الشرايين القطرية واحترام الانسانية واحتضان المواهب في (ارض الله الواسعة) و قطر تخطو الان نحو كاس العالم المرتقب و ذات الدماء نهدرها نحن هنا في شوارع الخرطوم ودارفور والنيل الازرق وجبال الانقسنا وكسلا وبورسودان…. و القبلية والجهوية البغيضة تقتلنا كل يوم…. ولك الله ياوطني

سلام
محمد طلب

اترك رد