هشام الشواني يكتب : دولة ضد اللادولة

السودان

الخرطوم : الراية نيوز

هشام الشواني يكتب :

دولة ضد اللادولة

التحليل الثقافي القائم على القبلية والعرقية سهل ومجاني وفي المتناول، بسرعة شديدة يقع الكاتب في سجن هذا التحليل. المشكلة أن هذا التحليل خاطئ واختزالي وبالتالي سينتج خطابا مضللا ومرتبكا. ظروف مثل سهولة هذا التحليل، وسائل التواصل الاجتماعي، ضعف الأحزاب السياسية وغياب مشاريعها. كلها ظروف تعطي خطابات العرقية والقبلية زخم ومكانة.

الأمور على أرض الواقع لا تسير وفق تصورات هذه الخطابات، ووضعية حميدتي نموذج مناسب للشرح: حميدتي حاليا هو بطريقة ما جزء من الدولة، ويحمل مصالح تخص طموحه السياسي وعلاقاته الخارجية، فالرجل الذي صنعته الدولة في ظروف حرب دارفور، وظروف الدعم الخارجي للحركات، وظروف مكون اجتماعي على درجة عالية من التهميش -مكون الرحل الأبالة- في ظل تلك الظروف صنعت الدولة وقننت وجود حميدتي.

لكن صناعة شيء لا تعني السيطرة التامة عليه، فالتحولات والصراعات في الخرطوم أضعفت الدولة ومنحت حميدتي دورا سياسيا وعسكريا تحت جناح المؤسسة العسكرية، نشاطه الاقتصادي تضخم وزاد مع صراعات إقليمية وتمددت مصالحه خارج الحدود مع مهام ومقاولات أمنية عسكرية كان يقوم بها، منذ عملية الخرطوم التي نال فيها دعما كبيرا من الاتحاد الأوروبي في يوم من الأيام؛ بغرض وقف الهجرات نحو أوروبا.لاحقا تحولت عملياته المقاولاتية هذه لتجعله حليف لوكالات أمنية روسية. تنقل ببساطة من الغرب للشرق كحال أي مقاول في سوق أمني عسكري سياسي.

الدولة بعد صراع طويل داخلي وخارجي، تلقت ضربة قوية في ١١ إبريل مع الثورة، تفجرت تناقضات وسقط الكادر الدولتي الذي يقودها، وهو كادر يجمع في وقت واحد رجال مثل: البشير، علي عثمان، أحمد هارون، كبر، إيلا….الخ. والنتيجة تمدد نزعات مناطقية وجهوية وعرقية متطرفة أحيانا.

مايجب أن ينتبه له المثقف والسياسي في الوصف هو:

* الجيش لا يمثل الشمال ولا الغرب ولا غيرهم، الجيش والأحزاب ومؤسسات الدولة يمثلون بنية الدولة القومية السودانية، وهي بنية عادية طبيعية كحال أي مجتمع مابعد استعماري، تشهد فيه غياب للتنمية، تهميش اقتصادي، غياب استقرار سياسي. وهذا الوضع يحتاج لإصلاح تدريجي يستوعب المظالم الاجتماعية التي نتجت من استمرار التركيب الاستعماري.

* الدعم السريع هو شركة مقاولات أمنية عسكرية اقتصادية، تمددت مع ظروف الضعف، وهو في حالة وسطى بين الدولة واللادولة، حيث تجد له قانون وصفة لكن تجد له استقلال اقتصادي في الميزانية والعلاقات الخارجية وهذا هو الأخطر. هو لا يمثل مصالح الغرب بل يمثل علاقات مصالح نخبة مستفيدة منه، وحاليا الدعم السريع في أضعف أوقاته، محاصر خارجيا وداخليا، وأمامه خيار واحد فقط قبول تسوية تسمح بشيء من المصالح، مع خضوع للدولة وهذا ما سيحدث.

الحركات المسلحة أيضا لا تمثل أقاليمها، هي وسط بين السياسة واللاسياسة، بين سياسيين لهم مشاريع وأفكار وطموح في الحكم مثل وبين حالة عسكرية مليشياتية مرتهنة للخارج تعادي الدولة والسياسة. وتدريجيا سيحدث تغيبر استراتيجي ينتهي لتحول جزء من الحركات لكتل سياسية حزبية مدنية، مثل نموذج أردول، أو تعود قلة قليلة منها لتمرد متحالفة مع الحلو وعبد الواحد. نماذج مثل مناوي وجبريل هي تعبير عن هذه الحالة الوسطى. والغالب لعوامل كثيرة هي استمرارهم في شكل تسوية تضمن لهم مصالح ومشاركة سياسية تحت جناح الدولة ومؤسستها العسكرية والدستورية حين تأتي قريبا.

هذا الوضع يستدعي حالة سياسية داعمة للسياسة والدولة والتنظيم والأحزاب، بمعنى أن كل دعوة تتطرف عرقيا وقبليا ستؤخر هذه التسوية الأكثر ضمانا لمصالح ودماء السودانيين. وتعقيد هذه الظروف يحل بمزيد من الدولة لا بقليل منها.

اترك رد