▪️ على قابلية قحت للتبعية وعدم إيمانها بكثير من الثوابت الوطنية والدينية كان الوضع العام في البلد عند استلامها السلطة في سبتمبر ٢٠١٩، والوضع السياسي لقحت نفسها، وثقتها بنفسها وبقدراتها، واحساسها بالاعتماد على الذات سياسياً، أي احساسها بامتلاك تفويض شعبي ، كل هذا، كان يسمح لقادتها ببعض أشكال “الحشمة” السياسية، و”التجمُّل” الذي يخاطب وجدان الشعب ويؤكد على الثوابت الدينية والوطنية .
▪️ لهذا جاء حديث حمدوك عن أن الإمكانات الذاتية ( لسادس اقتصاد في إفريقيا ) ستغنينا عن الهبات والصدقات التي ( تجلب لنا المذلة وتعطي الغريب الحق للتدخل في السيادة السودانية أو ليمارس دور الوصاية ).. وجاء حديث وجدي صالح ( سمعتونا في يوم جبنا سيرة علمانية ؟ )، وحديثه ( لن نرفع الدعم، وسنعتمد على ذاتنا لا هبات الخارج ) و ( مليارات التذهب والصمغ ستكفينا، والفائض – ٧ مليارات – شتتوه في الصرافات ) .
▪️ وجاء كذلك تحذير جعفر حسن للسفارات، ولعملاء السفارات – الذين لم يقطعوا عشمهم فيهم – فكان قوله ( الناس ديل ما قطعنا العشم فيهم لحد الآن، بس دايرنهم يبعدوا من السفارات الشغالة دي، السفارات شغالة في البلد اليومين ديل، أي سفارة كانت عاطلة، ما عندها شغل، اليومين دي جابت اللستة حقتها وقالت عينوها لي، ولو جاء وقت الحارة بنقولها، بنقول الأسماء، بنقول الكشف فيهو منو ) .
▪️ وبعد فترة من استلام الحكم، واكتشاف العجز، وتضعضع الثقة بالنفس، لجأت قحت إلى فكرتها الأصلية القائمة على أن بيع الثوابت الدينية والوطنية تجارة مربحة، وأن الدول الغنية على استعداد لدفع المقابل المجزي، فكانت العلمانية، وكانت بعثة الوصاية الأممية، وكانت شحدة كل شيء، حتى ورق طباعة مناهج القراي .. إلخ
▪️ لكن التجربة أثبتت خطل الفكرة، وكانت النتيجة أن جمعت قحت للسودان الجوع والأكل بالثديين، وتردى حال السودان أكثر، وتردى الوضع السياسي لقحت أكثر، ووصل الحال إلى الوضع الذي تسبب في فض الشراكة .
▪️ الفشل الكببر، والتردي في الوضع السياسي لقحت قبيل وبعد فض الشراكة، وفقدانها لمعظم جمهورها القليل أصلاً، جعلها تعتمد أكثر على الخارج سياسياً، وتقدم فروض ولاء أكثر، وتنتقل من مرحلة ( الحشمة السياسية ) إلى مرحلة ( الاستربتيز السياسي )،
حتى أن جعفر حسن الذي كان يملك في البداية رفاهية زجر بعض السفارات التي لم يحددها، وتهديدها بالفضح ( وقت الحارة )، عاد ( في وقت الحارة ) لا لفضحها وإذاعة قوائمها للمناصب، وإنما للاستنجاد بها ( سفارة سفارة ). ولعل تركيزه الأكبر كان على تلك السفارات التي قال إنها تطمع في حكم السودان عبر الوكلاء، وتقدم قوائم التعيين، على الأقل لم يقل إنهم سيتفادون هذه السفارات !!
▪️ الأدهى والأمر أن التردي العام سياسياً وسيادياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعياً وفي كل شيء قد بلغ الحد الذي جعل من الصعب أن تستجمع البلاد قواها وتستعيد ثوابتها وسيادتها، وحوَّل بيع الثوابت من خيار قحتي إلى ضرورة عامة، أو ما يقترب من الضرورة، حسب استكانة الحكام أو همتهم . وهذا بدوره سهل مهمة فولكر والسفارات بإعادة اعتماد قحت المركزي، التي وصلت إلى مرحلة الاستربتيز واكتملت تبعيتها، كقائمة موحدة للحكم، وسالمة من أي “إغراق” سياسي وقيمي .
▪️ والمؤكد أن قحت – بضعف قدراتها، وباعتمادها السياسي والاقتصادي الكامل على الخارج ، وبصفها النقي من أي إغراق – ستواصل بيع ما تبقى من ثوابت، وستزيد معدل الجمع بين الجوع والأكل بالثديين، حتى إذا جاءها كابوس الانتخابات كانت البلد في أسوأ حالات التردي وعدم القدرة على قول لا أو على استعادة ثابت واحد .
▪️ وإن لم تجد أحزاب فولكر فرصة لهندسة انتخابات على مقاسها ففاز غيرها، سيجد الفائزون أنفسهم بين خيار الاعتماد على الذات سياسياً واقتصادياً واستعادة ما يمكن استعادته من الثوابت الدينية والوطنية، وإعادة العلاقات مع الخارج إلى وضعها الطبيعي، أي التعاون الذي لا يمس السبادة، وما قد يتبع ذلك من عقوبات، أو خيار اعتماد ما تم من بيع للثوابت الدينية والوطنية، وبيع المزيد، ولا فرصة أمامهم للخروج من دورة العهر السياسي إلا بخطة اقتصادية ناجحة يستعيدون بها الاستقلال الاقتصادي، ومن ثم السياسي، ومن ثم الاستعادة التدريحية لبقية الثوابت المباعة .
إبراهيم عثمان