محمد التجاني عمر قش يكتب : تعليمنا في محنة أم ورطة!

السودان

الخرطوم:الرآية نيوز

تعليمنا في محنة أم ورطة!

محمد التجاني عمر قش

من الأمور التي ظلت مفخرة للسودان، حتى وقت قريب، التعليم العام والعالي، وذلك من حيث المحتوى والتقييم والدقة والمخرجات، وتكافؤ الفرص للجميع. ولكن ثمة خلل قد طرأ على نظام التعليم في هذا البلد الذي تسلط عليه أشخاص لا يرعون مصلحة وطنية، ولا يلقون بالاً لمستقبل هذا الوطن العزيز، بيد أنهم جميعاً يحملون درجات من جامعات سودانية مرموقة، وظلت معترف بها حتى لحقتها لعنة الانحطاط الذي ضرب كل شيء جميل في السودان، فأحاله إلى مضحكة بين دول المنطقة. وأنا لا أود أن أرسم صورة قاتمة عن وضع التعليم في السودان، بل قصدي كشف الواقع كما هو، بحكم خبرتي الممتدة في هذا المجال الحيوي؛ لأنني من قبيلة المعلمين والتربويين، تأهيلاً وممارسة، ليس في السودان فحسب بل في خارجه؛ ولذلك أعرف ما يدور في المؤسسات التعليمية وما ينبغي أن يكون عليه الحال حاضراً ومستقبلاً.

ولعل حديثي في هذه “الومضة” يقتصر على ما جرى مؤخراً فيما يتعلق بالقبول للجامعات السودانية، وفق نتائج امتحانات الشهادة السودانية. فقد تكشف الأمر عن غموض وتخبط كبير أفقد كثيراً من الطلاب فرصة تحقيق طموحهم في الالتحاق بالكليات التي يرغبون فيها، بالرغم من تحقيقهم نسباً تجاوزت 90%! ويبدو أن المحاصصة والسياسة قد وصلت حتى عتبات الجامعات بل تعدتها؛ إرضاءً لبعض الجهات النافذة سواء في الدولة، أو مجموعة قحت أو تلك التي أتت بها عملية السلام المزعوم. وقد نسى هؤلاء أن التعليم لا يتحمل المجاملة، ومع الإقرار بمبدأ إتاحة الفرصة للذين تضرروا من الحروب في مختلف بقاع السودان، لكن يجب ألا يكون ذلك على حساب الآخرين وحرمانهم من حقوقهم التي اكتسبوها بجدارة واجتهاد.

ولماذا لا يكن هنالك توسع في القبول بحيث يجد الجميع فرصة الالتحاق بالجامعات؛ خاصة إذا علمنا أن السودان لديه عدد مقدر من الجامعات في المركز والولايات، وجميعها مؤهل لاستقبال أعداد إضافية من الطلاب فقط إذا أحسنا استخدام إمكانيات تلك الجماعات بغرض زيادة طاقتها الاستيعابية مكانياً وزمانياً. وقد كتب البروفسور معتصم إبراهيم خليل من قبل في هذه الزاوية قائلاً: “للأسف لم تسعفنا العقول النيرة، التي تسنمت مقاليد التعليم العالي بفكرة خارج الصندوق؛ وذلك باستغلال الزمن رأسياً. وأعني بذلك تقسيم السنة الدراسية إلى سنتين، كل منهما ستة شهور لنصف عدد الطلاب. ثم تقسيم الطلاب إلى صباحيين ومسائيين، وبهذه الطريقة تستقبل القاعات الدراسية والمعامل نسبة كبيرة من إجمالي عدد طلاب الجامعة المعنية في كل فترة. وفي ظني أن ذلك يعفينا من تخفيض القبول وتجميد الدراسة في بعض الكليات، وربما يفتح المجال للتوسع في قبول مزيد من الطلاب”.

التعليم حق مكفول للجميع بموجب المواثيق الدولية وأهداف الألفية التي من بينها إزالة التفاوت في جميع مراحل التعليم بمعنى أن يكون التعليم متاحاً حسب الكفاءة. ولا أود القول بأن التعليم حق دستوري للسودانيين لأن البلاد تحكم الآن وفق وثيقة دستورية مضروبة يبدو أنها ترتب حقوق لمجموعات دون الأخرى وحسب أسس لا تحقق العدالة مطلقاً مع أن الشعارات المرفوعة في هذه المرحلة هي “حرية سلام وعدالة”.

وهل نسي قادة قحت أنهم قد بذلوا الوعود لمن شاركوا في الثورة بأن التعليم سيكون مجاناً من الأساس وحتى الجامعة؟ لكن ما حدث هو العكس تماماً إذ ضيقت الجامعات فرص القبول العام وتوسعت في القبول الخاص برسوم فوق طاقة أولياء الأمور الذين أرهقتهم تكاليف المعيشة ولكنهم الأن يتحملون أعباء إضافية من أجل تعليم فلذات أكبادهم في هذا الزمن المملوخ الذي أدخل كل مؤسسات الوطن في ورطة بما فيها المؤسسات التعليمية التي تسعى الآن إلى جباية مبالغ من جيوب طلابها حتى تستطيع تسيير العملية التعليمية!

يا أيها الحكام هل نسيتم أنكم جئتم من أجل رفع الظلم وتحقيق المساواة والعدالة، فما بالكم تنكصون على أعقابكم؟ وإذا حرمتم هذه الأجيال من التعليم مثلما حرمتم عامة الشعب من العيش الكريم فما هو مبرر وجودكم على سدة الحكم؟ كنا نتوقع منكم إحداث تغيير فعلي عندما سمعنا صراخكم في ميادين الاعتصام بأنكم سوف تحولون هذا الوطن إلى جنة رضوان بمساعدة أصدقائكم في الخارج الذين سيغدقون عليكم الأموال ويعينونكم بكل ما تطلبون، ولكن أتضح زيف ما كنتم تقولون إلا من بعض دولارات تدفع على شكل رواتب لكبار موظفي الدولة في الجهاز التنفيذي! بربكم لماذا كسرتم خواطر الأمهات والآباء والطلاب الذين جلسوا للامتحان في ظروف أقل ما يقال عنها أنها قاسية واستثنائية وغير مسبوقة، في ظل جائحة كورونا، ومع انعدام أبسط مقومات الحياة من كهرباء وماء وغذاء، ومع ذلك حققوا نتائج باهرة ولكنكم حلتم بينهم وبين تحقيق طموحاتهم وأدرتم الملف بطريقة يقصد بها تحقيق مكاسب مادية للجامعات وكأنها لم ترصد لها ميزانية من الدولة.

عموماً يجب أن تتحمل وزارتا التعليم والتعليم العالي كامل المسؤولية عما حدث من خلل في تصحيح الشهادة السودانية ونتيجة القبول للجامعات.

اترك رد